الإعداد التربوي والروحي عند العلامة ابن باديس..
بقلم: د. علي الصلابي-
أسس العلامة عبد الحميد بن باديس أفكاره الإصلاحية والاجتماعية على
تربية الجيل وإعداده. وقد كانت تلك الرؤية أساسًا راسخًا في نهضة الجزائر الحديثة،
فهو أدرك منذ البداية أنه ما من أمة يمكن أن تنهض نهوضًا حقيقيًا إلا عن طريق
التربية والمعارف، وأن هذه التربية لا تكون مُجدية إلا على أساس من العقائد وتقويم
الأخلاق... ..
خاطب ابن باديس الشعب الجزائري مبينًا مكانة التعليم في المحافظة
على الإسلام،….فإن إصلاح المجتمع في رأي ابن باديس لا يكون إلا بصلاح الفرد،
وإصلاح الفرد لا يكون إلا بتطهير نفسه وعقله من البدع والخرافات، ... وقامت الرؤية
الباديسية في بناء الفرد والمجتمع على مجموعة أسس وهي:
1ـ الرؤية التربوية:
التعليم والتربية هما هدف وغاية في تكوين الشخصية عقليًا ونفسيًا
وسلوكيًا، وهما وسيلة وأداة لتحقيق تلك الغاية، وهما نهج وسبيل لا يمكن تجاوزهما
لأولئك الذين يريدون بناء الأمم والحضارات …
والمقصود بالتربية هي جملة المبادئ والقيم التي تنتمي إلى ثقافة أو
حضارة ما، والتربية غير التعليم، ذلك لأنَّ التربية تعني عملية البناء العقلي
والقلبي والسلوكي للإنسان، أي هي عبارة عن تنمية الشخصية لدى الإنسان المتعلم. ..
2ـ الإعداد الروحي:
اهتم ابن باديس بالجانب الروحي وحرص على غرس معاني الإيمان في نفوس
من يحضر له في دروسه، فكان يربي الناس على الأذكار وتلاوة القرآن والصيام والصلاة
والزكاة، واهتم بالأمور التي تغذي الإيمان وتهذيب السلوك المستمدة من الكتاب
والسنة، وكان يستخرج الفوائد التربوية من الآيات القرآنية، فمثلاً عندما فسَّر قول
الله تعالى: َ {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِي لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ
كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*}[النمل: 20].
….
3ـ التربية الأخلاقية:
أحيا ابن باديس الشباب الجزائري بأخلاقه الإسلامية التي استنبطها
من القرآن الكريم وأصلح بها نفوسهم. … من اهتمامه بجسمه وأن
صلاح الإنسان وفساده إنما يقاسان بصلاح نفسه وفسادها وما فلاحه إلا بزكاتها طبقاً
لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا*}
[الشمس : 9 ـ 10].
لقد أكد ابن باديس على ضرورة التكافؤ بين الجسم والنفس، وهذا ما
جاء به الإسلام من ضرورة الجمع بين الدين والدنيا، ثم يربط ابن باديس صلاح الفرد
بصلاح المجتمع لتحقيق ما جاء به الإسلام من أن إصلاح النفوس يكون بالتزام شريعة
الحق والخير والعدل، والكف عن الظلم والشر والباطل. …
4- ملامح الفكر
التربوي الأخلاقي عند ابن باديس:
أ. ضرورة الاهتمام بالإنسان:
كهدف رئيسي عام، علمًا وعملًا وفكرًا وسلوكًا، وهذا الاهتمام يتمثل
في ضرورة التعليم المدرسي والتعليم بالقدوة وتنظيم الجماعة وخلق الوعي العام. وفي
هذا يقول ابن باديس: العلم قبل العمل، ومن دخل العمل بغير علم لا يأمن على نفسه من
الضلال ولا على عبادته من مداخل الفساد والاختلال، وقال أيضاً: إن ما نأخذه من
الشريعة المطهرة علماً وعملاً فإننا نأخذه لنبلغ به ما نستطيع من كمال في حياتنا
الفردية والاجتماعية، والمثال الكامل على ذلك هو حياة محمد صلى الله عليه وسلم في سيرته الطيبة. ..
ب. الشمولية في الإصلاح:
1. أي أن
يكون الإصلاح كلي لا جزئي، ويتناول كل ميادين التوجيه الأخلاقي والثقافي والسياسي
للفرد، لأن الانصراف لإصلاح جانب واحد هو الفرد أو المجتمع لا يؤدي إلى إصلاح
حقيقي، بل يؤدي إلى التخريب والهدم.
ولهذا فإن تحقيق هذه الشمولية يتطلب:
2.
موقف حاسم من عناصر الهدم الأخلاقي والديني والاجتماعي
ورسم الخطوات اللازمة.
3.
إثبات مدى الارتباط بين الفكر والسلوك، ..
4.
ضرورة تعاون الإرادة والفكر والعمل، فهذا التعاون سبيل
بناء الشخصية الإنسانية المتكاملة ظاهراً وباطناً، ...
5.
الاعتماد على الحجة والإقناع والمصارحة والدعوة.
ضرورة النظر في النفس وفهمها وإصلاحها فذلك أمر إلهي ومطلب إنساني،..
ج. التزكية الأخلاقية:
لقد حرص ابن باديس على صياغة القيم والفضائل الأخلاقية في صورة
منهجية وفق قواعد عامة معروفة، ثم في صورة نداءات ووصايا يمكن أن تتحول إلى قالب
تعليمي وإرشادي يسهل التعريف به والدعوة إليه، وكان يردد تلك النداءات في محاضراته
ومقالاته وتفسيراته واثناء رحلاته أيضاً، فاستطاع بذلك أن يحول قيم الرحمة والعدل
والمساواة والحق والصدق والحب والتسامح ….
د. الفضائل الأخلاقية عند ابن باديس:
اهتم ابن باديس في تفسيره لآيات القرآن وأحاديث الرسول عليه السلام
ببيان أهم الفضائل الأخلاقية المستمدة من المصادر النقلية، في مقدمتها الرحمة،
والعدل والمساواة والأمانة والصدق والإحسان والبر إلى اليتامى والمساكين والبر إلى
الوالدين والجهاد في سبيل الله والحب والتسامح والصبر والثبات والإيثار والوفاء
بالعهد وغيرها.
بتصرف عن موقع بن باديس