أستاذي و معلمي الأول سي محمد مسعودي (بن العالم)
 |
| على اليمين كاتب هده السطور و بجانبي سيدي و معلمي الشيخ محمد مسعودي- الصورة في عام 2010 |
لم اعرف قدر معلمي سي محمد مسعودي إلا بعد سنوات طويلة بعدما نضجت
خبرتي و تحسست الماضي ، و رجعت بالذاكرة قبل 51 سنة من هذا اليوم ، في تلك الأيام
من سنة (1965-1385هـ) عندما كنت طفلا صغيرا دخل المدرسة لأول مرة ،اكيد يومها كان
طولي لا يتجاوز المتر ..كان معلمنا سي محمد يقودنا الى القسم و يحفظنا مصطلحات
الاصطفاف و الاعتدال و السدل و الدخول و الخروج و الجرس و دق و لم يدق ..
بل و علمنا أناشيد وطنية منها شعب الجزائر مسلم ..و جزائرنا يا
بلاد الجدود، و قسما... رغم أننا في السنة الأولى ابتدائية(ِCP1)..
 |
| مدرسة مبارك الميلي - الأغواط - الجزائر |
مدرستنا كانت تسمى و لا تزال باسمها الحالي
: مدرسة الشيخ مبارك الميلي و كان يحلو
لبعض العوام ان يسميها (إكول الترسيتي)لأن المدرسة تقع "بالضلعة" قرب
محطة الكهرباء التي فجرها الثوار يوم 14 جويلية 1957 اثناء حرب التحرير..
مدرستنا تقع مباشرة تحت الجبل الذي يتربع
عليه المسجد الكبير العظيم (مسجد الصفاح)..
 |
| مسجد الصفاح -الأغواط- الجزائر |
في تلك الأيام الحديثة العهد بالاستقلال كان كل شيء في المدينة لا
يزال يحمل بصمات الاستعمار حيث كان لدينا عطلتان بالاسبوع عطلة يوم الخميس و عطلة
يوم الأحد أي كنا ندرس يوم الجمعة ، و كانت الجزائر تضبط ساعتها على توقيت خط
غرينتش .. و أيامها كنا نخرج من المدرسة على الساعة 12 صباحا و هو توقيت بداية
خطبتي الجمعة وقبلها بنصف ساعة أي على
الساعة (11و 30 دقيقة) كان المسجد يذيع القرآن الكريم بصوت شيخ القراء
( محمود خليل
الحصري رحمه الله) ..
 |
| الشيخ محمود خليل الحصري |
فكان معلمنا بمجرد ما يسمع البسملة ينفض
يديه من غبار الطبشور ثم يتجه الى الجهة الخلفية من القسم يسحب كرسيه ثم
يجلس عليه صامتا كنا نحب هذه
الحركة منه لا لأننا كنا نعرف القرآن الكريم لا لا، فقد كنا اصغر من ان نعقل بل
لأنها كانت إيذانا بانتهاء حصة الدرس التي كانت كلها مساءلة و الحقيقة سي مسعودي
كان شديدا معنا و هكذا ديدن كل معلمي ذاك الزمن و العصا لمن عصى..
قلت الشيء الجميل ان تلك الحركة الجميلة
التي احببناها آتت اكلها
و فعلت فعلها مع مرور الزمن فقد تعودنا ان نبقى صامتين نستمع إلى
حلاوة صوت الشيخ الحصري و هو يتلو القرآن بصوت دافئ ينفذ عبر الأذان إلى القلوب
مباشرة ،و الله يعلم أنني لا زلت الى يومنا هذا اتذوق حلاوة تلك التلاوة فجزى الله
خيرا سيدي و معلمي و أستاذي (سي محمد مسعودي) الذي كنا نخافه و نحن صغارا و نحبه
عندما كبرنا و استقام عودنا و
عرفنا مدى الخير الذي أسداه إلينا هذا المعلم الفذ ، فقد التقيته بعد هذه القصة
بعدما صرت احبه و لا أخافه بعدما صرت أستاذا تخرج على يديه مئات من التلاميذ و
الذين صار بعضهم بحمد الله أساتذة..
في تسعينيات القرن الماضي التقيته بشارع
سيدي يانس –الأغواط ،اقتربت منه و سلمت عليه فهش إليَّ فقبلت رأسه و قلت له أنت معلمي أنت من
علمني حروف العربية أنت من علمتني حب القرآن الكريم و لك علي فضلا كبيرا ،لا يمكن أن
أنساك فقد علمتني كيف اصغي للقرآن الكريم جعلت قلبي يتشرب آي الذكر الحكيم بتصرف
تربوي بسيط جزاك الله عنا كل خير ...
طأطأ معلمي رأسه ناظرا إلى الأرض ثم قال لي اسمحوا لي يا أولادي
فقد كنت قاسيا معكم اسمحولي...
قبلت رأسه مرة أخرى و قلت له لولا ذلك لما صرنا رجالا ،حق لك أن
تفخر سيدي فتلميذك اليوم يعلم التلاميذ بمدينة القرارة و قد تخرج على يديه المئات
من التلاميذ و كل هذا يعود بالفضل عليك و إليك سيدي..
فأخذته غُصة و استدار يخفي دمعة اطلت من عينيه لم انس هذا اليوم و غادرته
مسلما عليه و لم اكن ادر أنني سالاقيه مرة أخرى حينما صرت يوما مديرا لثانوية
بوسبسي التي تقع في نفس الحي الذي يسكنه معلمي و جاءت الفرصة لأعبر له عن امتناني
و اعترافي له بالفضل بتكريمه يوم العلم من (السنة الدراسية 2008- 2009 ) و رويت
يومها هذه القصة على مسامع الأولياء و التلاميذ و كان معلمي يستمع لما أقول صامتا
لم بنبس ببنت شفة و صفق الحضور كثيرا لهذه القصة الواقعية ..و حمدت الله يومها.
منة و نعمة من الله تعالى أن يوفق المرء في مثل هذا ، إرضاء لله، و اعترافا بالفضل.
جمال بن السايح (أبو انفال)
25-04-2016
