هل تشكو من تحيز النقاط العمياء فتبدو أحمقا دون أن تشعر؟
مقدمة
حتى أكثر الناس ذكاء يمكنهم أن يكونوا حمقى. بسبب تحيز النقاط
العمياء
يدعو روبرت ستيرنبيرغ، الأستاذ بجامعة كورنيل ومعه
آخرون الآن إلى نوع جديد من التعليم، من شأنه أن يعلم الناس كيف يفكرون بطريقة
فعالة أكثر، ،ومن الممكن لأفكارهم أن تساعدنا جميعاً- مهما كان مستوى ذكائنا- على
أن نتجنب ولو قليلا التصرفات الحمقاء.
هل تقول لنفسك إنك أكثر ذكاء من عموم الناس؟ أولسنا
جميعا نفكر بذات الطريقة؟ يعزى ذلك الأمر إلى ما يعرف بـ "التفوق
الوهمي"، وهو شعور منتشر بين الناس، وخصوصا الأشخاص من ذوي القدرات الأقل.
لكنك ربما تجادل، وتزعم أنك ذكي استناداً إلى التقارير التي
توثق اجتيازك للاختبارات و الشهادات التي حزت عليها ، أو بناء على أدائك المثير
للإعجاب في مسابقات قياس مستوى الذكاء المعروف.
إن كنت كذلك، فأنت مصاب بما يطلق عليه "التحيز التوكيدي"، والذي يعني الميل إلى انتقاء الدلائل التي تؤيد
وجهة نظرك فقط..
إن حقيقة أننا جميعاً مصابون ببعض التحيز دون وعي منا
بذلك.
للتخلص من هذا التفكير عليك اتباع الخطوات التالية:
أولاً: تعرف على
التحيز الأعمى لديك
إن علماء النفس يقولون إنك تشكو مما يعرف بـ "تحيز
النقاط العمياء" وهو الميل إلى إنكار العيوب في تفكيرك الشخصي، وكأن لديك
مناطق عمياء في دماغك لا ترى إلا ما تريده أنت.
ثانياً: كن متواضعا
كتب الشاعر ألكساندر بوب في القرن الـ18 يقول: "لا
ينبغي أن يشعر الإنسان بالعار من الاعتراف بالخطأ، لأن ذلك يعني بكلمات أخرى أنه
اليوم أكثر حكمة من الأمس."
بالنسبة لعلماء النفس في هذا العصر، هذا السلوك سمة
أساسية في الشخصية تعرف بالانفتاح العقلي. هذه السمة تقيس مدى سهولة تعاملك مع
حالة عدم اليقين، ومدى سرعتك واستعدادك لتغير رأيك بناء على شواهد ومعطيات جديدة.
إنها سمة يجد بعض الناس صعوبة في التعايش معها، لكن
تقييم الذات ومراجعة الشخص لنفسه من العوامل التي تظهر أثرها الإيجابي في المستقبل..
التواضع الفكري يأتي في أشكال أخرى متعددة، لكن في
قلبها تقع القدرة على أن تعرف حدود معرفتك. على أي أساس تبني قراراتك؟ إلى أي مدى
يمكن تمحيص هذه الأسس والتأكد من صحتها؟ ما هي المعلومات الإضافية التي تحتاجها
لتتخذ قرارات أكثر توازناً وصواباً؟
ثالثاً: ناقش نفسك
وكن صريحاً معها
إذا كان النقد الذاتي لا يناسبك، فهناك وسيلة للتقليل
من تلك التحيزات، وهي أن تختار أن تتبنى وجهة النظر المناقضة لك، وأن تبدأ بطرح
نقاش مضاد لقناعاتك.
هذا الجدال الداخلي يمكنه تفكيك أعتى عوامل التحيز
لديك، مثل الثقة الزائدة بالنفس، والتمسك بالرأي، وهو الميل إلى الاقتناع بأول
دليل تصادفه في طريقك.
ويمكن لهذا التكتيك أن يكون مفيداً بشكل خاص عند
التعامل مع المشاكل الشخصية. فنحن عادة ما نكون أكثر حكمة عندما ننصح الآخرين،
بينما لا نكون بنفس القدر من الحكمة عندما تتعلق الأمور بأشخاصنا.
رابعاً: تخيل
باستخدام طريقة :ماذا لو؟
أحد أهم مآخذ ستيربيرغ على النظام التعليمي هو أننا لم نتعلم كيف
نستخدم ذكاءنا ونكون عمليين ومبدعين. حتى لو أننا لم نعد نتعلم في المدارس بطريقة
البصم، إلا أن كثيراً من المدرسين ما زالوا لا يعلمون تلاميذهم كيف يكونون مرنين
في حياتهم العادية.
وإحدى الطرق لتطوير هذه المهارات يمكن أن تكون عن طريق تخيل وقوع
الأحداث المهمة. يمكن لطلاب التاريخ أن يكتبوا بحثاً عن "ماذا كان يمكن أن
يكون شكل العالم لو أن ألمانيا انتصرت في الحرب العالمية الثانية؟" أو
"ماذا كان سيحدث لو أن أسرائيل لم تستولي على فلسطين؟"
قد نجد ذلك أمراً مصطنعاً ومتخيلاً، لكنه يرغمك على الأخذ بعين
الاعتبار الفرق بين الاحتمالات والفرضيات. يكتسب الأطفال ذلك النوع من التفكير
الافتراضي غير الواعي المنافي للواقع عندما يلعبون لعبة التظاهر، التي تساعدهم على
تعلم كل شيء، من القوانين، إلى الفيزياء، إلى المهارات الاجتماعية.
عندما نكبر لا نميل إلى ممارسة هذه اللعبة، لكن يمكن لأحدنا أن
يجدها وسيلة لتوسيع المدارك عند مواجهة أمور غير متوقعة.
خامساً: لا تقلل من
أهمية استخدام قائمة المهام
عند التصدي لأوضاع معقدة، من السهل تناسي الأشياء
الأساسية،
في جامعة جون هوبكنز، على سبيل المثال، هناك قائمة
للتحقق من خمس نقاط، تهدف لتذكير الأطباء باتباع وسائل النظافة. وقد أدت بالفعل
إلى خفض معدلات الإصابة بالالتهابات التي تستمر لمدة 10 أيام، وذلك من 11 في المئة
إلى صفر في المئة.
وهناك قائمة مشابهة تخص الطيارين لتذكيرهم بالإجراءات
الأساسية عند الإقلاع والهبوط، أدت إلى خفض عدد الوفيات بين الطيارين في الحرب
العالمية الثانية إلى النصف.
كما يشير غاواند، هؤلاء أشخاص مهنيون على قدر عال من
المهارة والمعرفة بالتكنولوجيا الحديثة، ومع ذلك فإن ورقة بسيطة تحمل بعض
التعليمات أدت إلى إنقاذ حياة الكثيرين.
مهما كانت وظيفتك أو مهنتك، هذه الحقائق تستحق أن تؤخذ
في الاعتبار قبل أن تفترض أنك تعرف كل شيء مسبقاً. فقط تدرب على هذه الخطوات،
وستكتشف أن لديك مواهب لم تكتشفها من قبل.
ويقول ستيرنبيرغ في هذا السياق: "جميع المعلمين في مدرستي
اعتقدوا أنني غبي". وكان على وشك أن يُطرد من المدرسة لولا أحد المدربين الذي
اكتشف أن هناك جوانب أخرى من الذكاء غير تلك المطلوبة لحل مسائل الرياضيات.
يقول ستيرنبيرغ: "الذكاء ليس مجرد درجة في اختبارات الذكاء،
لكنه يكمن في القدرة على أن تحدد ما الذي تريده في الحياة، وأن تجد الطرق الكفيلة
بتحقيق ذلك." حتى لو كان ذلك يتطلب المعرفة المؤلمة لجوانب الحمق والغباء في
شخصيتك.
جمال بن السايح
منقول بتصرف عن موقع BBC