استكمل النقص الذي لديك
سألت استاذا لي عن سر الجملة التي كان
يرددها لنا دوما "استكمل النقص الذي لديك"..و قد كنت ملحاحا في السؤال..
فابتسم و قال يا بني إن لهذه الجملة قصة طويلة فهل لديك الوقت
لسماعها؟
قلت: بالله عليك فانا في غاية الشوق إلى
ذلك..
فقال :
يا بني الكمال لله و مهما تعلمنا فيعترينا النقص بل و نشعر به كلما
تعلمنا شيئا جديدا(و ما اوتيتم من العلم إلا قليلا)..و في شبابي كنت شديد الجرأة و الاعجاب بنفسي و بالمعلومات
القليلة التي تعلمتها خلال دراستي في المراحل التعليمية كلها و قد حباني الله بشيء
من الفصاحة في اللغة العربية ..
مما جعلني اتباهى بها أمام زملائي بل و
افخر بها، خاصة و أنا اقف امام التلاميذ فلا انبس بكلمة واحدة بالعامية فكل دروسي
تمر باللغة العربية الفصحى، و كذا عندما اشارك في النشاطات المدرسية و
تعطى لي الكلمة ، اتنمق في
خطابي و اتخير العبارات الجميلة و الكلمات النادرة الاستعمال...إلخ.
و ذات يوم و كان الفيصل ، حيث كنا نحضر الاختبارات الفصلية و كان يقوم بالكتابة أحد الشباب المكلفين بالرقن على الآلة
الكاتبة(لم يكن لدينا حاسوبا آنذاك)، و بينما هو ينقل فقرات الاختبار على ورقة
"الستانسيل"(ورقة شبه كربونية ينسخ
منها النص المكتوب عليها بواسطة آلة خاصة)،
فجاة تجمدت يده ، و توقف عن الكتابة ..
نظر نحوي هُنيهة مترددا ثم
بارني بالسؤال: يا استاذ أظن أن هذه الكلمة تكتب همزتها في آخر الكلمة على السطر و ليس على الألف
المقصورة ،و نظرا لأنني كنت متعجلا و ليس لدي وقت للتمحيص فلم أعر ملاحظته انتباها و قلت له اكتبها كما هي..
و كتبها كما هي..
في المساء راجعت الكلمة مرات و مرات و لم استطع ان انتبه إلى الخطأ
خاصة و كنت لم اراجع قواعد الاملاء ردحا من الزمن...
لكن فجأة خطرت لي فكرة: لم لا اقتني كتابا
في قواعد الإملاء و اتأكد من ملاحظة الراقن ؟
و فعلا جلبت الكتاب و كانت المفاجأة ان هذا الراقن البسيط كان أحكم
مني و أنا الذي اتباهى بانني استاذ و افتخر بإتقاني للغة العربية..
قال أستاذي : في الغد ذهبت مباشرة إلى
الراقن و قلت له انت على حق و ملاحظتك في
محلها و استسمحك ، و انا في غاية الخجل منك..
من هذا اليوم يا بني تعلمت درسا جديدا و هو
ان استكمل النقص الذي لدي..
و استطرد الأستاذ قائلا: و منذ ذلك الحين قررت بيني و بين نفسي ان
أصحح لأولادي الطلبة قواعد الاملاء و
أنبههم إلى الأخطاء و كنت أقول لهم دوما : عليك ان تستكمل النقص الذي لديك...
هذه هي القصة باختصار ، فهل تذكر ذلك؟
قلت : نعم لا زلت اذكر ذلك بل اذكر انك طلبت مني تصحيح الكلمة الخاطئة
التي كتبتُها على السبورة و لم انسها رغم مرور سنوات عن الحادثة و كانت
كلمة هي : (بطء)و قد كتبتها حينها (بطئ)..
كل منا في حاجة إلى استكمال النقص الذي لديه و من منا قد استجمع كل
الأدوات بل سنبقى في جهاد مستمر للمحافظة على ما امتلكنا و في استجلاب الجديد ما
حيينا..
و قد اعجبني أحد الأساتذة الكبار لمَّا سئل عن كيف يتنزه ؟ فقال:
أذهب إلى الغابة و أمارس رياضة المشي و اثناءها اراجع ما حفظت من قصائد شعرية في حياتي لكي لا تتفلت مني.
تقبلوا تحيات جمال بن السايح(أبو أنفال)
الأغواط في: 12/01/2020