جدي الحاج محمد بن أحمد
جدي الحاج محمد بن
أحمد بن محمد بن بروبة بن سِيدْ السَّايحْ
، و كان جدّي يلقب بالحاج محمد بُرُّوبَة (بتشديد الراء و ضمها) .
يعرفه الكبار خاصة الذين هم فوق سن الخمسين و الذين هم على
قيد الحياة أما الأقل فلا أظن.
عرفت جدي و هو كبير السّن فقد ولد رحمه
الله عام 1893 م و لقي الله عام 1972....
مما كنت اسمعه من الكبار أنه حج إلى بيت
الله الحرام خمس مرات
بل لقد ذهب إلى #فلسطين و حج فعلا إلى بيت المقدس و كان
الناس يروون لي انه كان يعتز بانه (قدَّسَ)أي زار المسجد #الأقصى و صلى فيه .
الكعبة المشرفة |
المسجد الأقصى |
فعلا كان رحمه الله رحالة يحب السفر
و كم من المرات سمعته فيها يتكلم عن الأزهر
الشريف و العلم و العلماء في مجالسه مع الأقرباء ، كان يحب لقاء الناس بل ويلتقي
بهم على فترات متناوبة في بيته و مزرعته في قرية (قنيفيد) و هم كبراء مدينة الأغواط و منهم الحاج بوعامر و الحاج بوشريط و
الرائد(كوموندون) الحاج السعيد سحيري، و غيرهم لا تحضرني أسماؤهم الآن .
بل لقد
قيل لي بما انه كان يجيد الفقه يتناظر مع
بعض الفقهاء في بعض المسائل الفقهية و الشيء الذي وقفت عليه بنفسي و رأيته بأم
عيني رغم حداثة سني آنذاك انه رحمه الله كان شديد الحرص على تلاوة القرآن و كان
يتلوه بنغمة خاصة ، و أكد لي من عرفه عن
قرب أنه أعاد حفظ القرآن الكريم في سن متأخرة من عمره ، وقد رأيته و أنا طفل صغير مرارا منهمكا يقرأ كتبه الفقهية و يتلو القرآن ،فقد كان يحلو له أن يجلس في مدخل البستان إذ كانوا يطلقون عليها(الفايجة) اي الفرجة الوحيدة التي كانت واسعة تسمح للمرء ان يلج عبرها إلى البستان في قرية "قنيفيد".
الشيء المؤكد لدي (وما اجمع عليه من عرفوه
من الكبار) انه كان عالي الهمَّة قوي الشخصية جوادا كريما ، و كان مهيبا يهابه من يراه لأول مرة أو يسمع صوته و شجاعا ،
شديد الذكاء و الفطنة جريئا لا يهاب الصعاب.
روى لي أحد كبار أقربائي قصة طريفة حدثت له إبان
الاستعمار الفرنسي يومها كان مسافرا من الأغواط إلى وهران لزيارة بعض الأقرباء على
متن سيارته من طراز ستروين (Citroën deux galons)
في أواسط الخمسينات و بينما هو في طريقه استوقفته شرطه المرور و سأله الشرطي بالفرنسية (متغابيا) هل تحمل معك –غروناد-grenade ،أي عبوة يدوية متفجرة؟ ،
السيارة من طراز ستروين |
في أواسط الخمسينات و بينما هو في طريقه استوقفته شرطه المرور و سأله الشرطي بالفرنسية (متغابيا) هل تحمل معك –غروناد-grenade ،أي عبوة يدوية متفجرة؟ ،
فقال
جدي ممازحا للشرطي : طبعا أحمل معي غروناد و هي معي في صندوق السيارة هل تريد أن تراها؟
قال: الشرطي نعم !
فتح جدي صندوق السيارة و فورا أخرج الغروناد و بدا يأكله فصرخ
الشرطي فيه أنت : مخبول كيف تأكلالغروناد ؟، فتبسم جدي و قال يمكنك أن تتذوق معي
غروناد الكعبوش إنه لذيذ و أعطاه شيئا منه و قال له ألا
تعرف الكعبوش يا هذا ؟ (نوع من الحلويات الشعبية كالبسبوسة يصنع من الدقيق و التمر و السمن)،
و كانت طُرفَة طالما سمعناها تردد على ألسنة الكبار و هم يتندرون بها و يعتبرونها من المواقف الشجاعة لجدي إبان الاستعمار الفرنسي.
قال: الشرطي نعم !
الكعــــــــــــــبوش |
عبوة ناسفة يدوية (غروناد) |
و كانت طُرفَة طالما سمعناها تردد على ألسنة الكبار و هم يتندرون بها و يعتبرونها من المواقف الشجاعة لجدي إبان الاستعمار الفرنسي.
بالنسبة لي كنت أراه شيخا مهيبا ، بصراحة كنا
نخافه جميعا فقد حباه الله بصوت مميز ترتعد
فرائصنا عند سماعه إذا نادانا و كان
صوته كهدير الرعد لمَّا يصرخ فينا إذا ارتكبنا خطأ ،
بل حتى الكبار من الناس كانوا يهابونه
.
و رحم الله خالتي حورية زوجة الرائد سي السعيد سحيري
رحمة الله عليه فقد روت لي يوما في بداية
الثمانينيات ، و قد كانت تحب الكلام عنه قالت ، إن جدك الحاج محمد كان يزور أخاه
سي السعيد و كنا نعرفه من صوته إذا قدم فهو يسمع من بعيد، فقد كان جَهوري الصوت مميزا كأنه أسد يزأر وأردفت باللغة الفرنسية (َُEn dirai un lion).
ورغم قوة شخصيته و مظاهر الصلابة و القوة التي تعلو سحنته ، فقد كان يحمل
بين جنباته قلبا رحيما طيبا ، فكان رحمه الله شديد التعلق بأقاربه و رَحِمه ، و كان
يخصص فترة من الزمن خاصة في فصل الربيع ليزور البعيدين منهم، في بادية مدينة الأغواط أو في المدن الأخرى المجاورة لمدينة الأغواط، وكانوا بدورهم يكنّون
له الاحترام التبجيل و يكرمونه أيَّما إكرام و يحتفون بقدومه ويستفتونه في دينهم
و يحل مشاكلهم و ينزلون عند رأيه عند تخاصمهم بل لقد كانوا يطلبون منه أن يؤمهم
في الصلوات ، ويروي لي سي عامر بلخضر بارك الله في عمره قصة.في هذا الشأن...
و قد سمعتها منه مرات عديدة لأنه عايشها
بنفسه ، يقول سي عامر في الماضي انقطع الغيث على أهالينا في الصحراء البادية (لعها
في مدينة بليل أو ما جاورها-70كلم من مدينة الأغواط) وتأثر الزرع و
الضرع و خاف الناس القحط و موت الماشية ، وقدر الله أن يزورهم جدي الحاج محمد رحمه
الله فتمسكوا به و اكرموه وطالبوه أن يصلي بهم صلاة الاستسقاء و أن يدعو الله لهم ..
فيقسم سي عمار قائلا : و الله ما إن اكمل الصلاة و الدعاء حتى انهمرت السّماء بغيث
افرح الجموع. فبالغوا في إكرامه و أقاموا الولائم و ذبحوا الذبائح.
الباديــــــــــــــــــــــــــــــــة |
ما يحز في نفوسنا و لا نقول إلا ما يرضي ربنا
إننا لم نستمتع بوجوده معنا اكثر لنتعلم منه و من تجاربه، فقد لقي الله و لم يتجاوز سني الثانية عشرة .
أصيب رحمه الله بمرض الضغط
الشرياني(لاتوسيون) ،و عانى منه لسنوات و كانت تأته نوبات شديدة حضرت إحداها و ذلك
قبل وفاته بأشهر قليلة في أواخر سنة 1971.فقد توفي رحمة الله عليه في شتاء عام 1972 و تزامنت وفاته
مع تصوير الفيلم العالمي عن الثورة
الجزائرية – وقائع سنين الجمر- للمخرج محمد الأخضر حمينا
رحم الله جدي
الحاج محمد بن أحمد بن السايح رحمة واسعة ، و اسكنه فسيح جنانه.
إنها خواطر سجَّلتُها
مِمَّا علق بذاكرة طفل أحب جده و لم يستمتع بالتواجد معه لفترة طويلة بسبب رحيله .
حفيدك جمال أبو أنفال
10/02/2018