المهنة الشاقة ..التي أحببتها
مدرسة الشيخ مبارك الميلي الأغواط
عندما أروي لست أقص لكم عن مهنة سردت علي عنها القصص أو لامستها
من بعيد، بل إنني سأحدثكم عن مهنة عايشتها و عشتها و مارستها بل و لامستها من قريب
جدا، إنها بالنسبة لي من اشرف المهن ،بل لقد زكاها رسول الله صلى الله عليه و سلم
عندما قال :(إنما بعثت معلما)..
نعم إنه التعليم ، لقد رأيتها دوما أمانة و مسؤولية ..
منذ سنوات دراستي المبكرة لعله في سنوات المتوسط أو مرحلة الابتدائي نشأت
بيني و بين هذه الوظيفة علاقة وُد و اشتياق فقد كنت طوال حياتي الشبابية أحلم بأن
أقف امام التلاميذ و ان أعَلّم..
كيف و لماذا؟
لا استطيع أن أجزم لكم بجواب معين و أقول بأنني قد تأثرت بزيد أو بعمر من
المعلمين و الأساتذة الذين تتلمذت عليهم ، رغم أن بعضهم قد اثر في تأثيرا قويا، بل
لقد أخذت عنهم و قد كانوا كُثر منهم المصريون و منهم السوريون و منهم الفرنسيون و
منهم الجزائريون و قد كانوا كالكبريت الأحمر في أيامنا..
إن لمهنة التعليم سحرها الخاص فضلا عن أنها مسؤولية
وأمانة ، فقد كانت بالنسبة لي عالما مليئا بالرمزيات النبيلة ففيها القيادة و فيها
التقدير و الاحترام و فيها السمعة الحسنة ..
كل هذه المعاني كانت الدافع القوي الذي جذبني إليها ، فقد احببت ان أصير
أستاذا مرموقا محترما يقدم العلم لتلاميذه و قد كان و الحمد لله...
و تعالوا معي لنستعرض خفايا هذه المهنة التي لا يدركها إلا
من مارسها و لامسها عن قرب وعايشها بقلبه و عقله و كانت تجري في دمه.
و أطرح على نفسي و عليكم بعض الأسئلة التي هي غيض من
فيض..
هل يعقل ان يذهب المعلم إلى قسمه بدون ان
يحضر درسه جيدا ؟
و هل يعقل ان يقدم لأحبابه التلاميذ معلومات لا يتأكد من
صحتها؟
هل يستقيم له ان يحمل معاناته النفسية و الجسمية و متاعبه اليومية و يبسطها أمام تلامذته؟
هل من حقه أن يشتكي من تصحيح الأوراق على كثرتها(فروض و
امتحانات و واجبات منزلية و بحوث)؟
هل من الأخلاق الحسنة ان يحابي تلميذا على تلميذ؟ أو ان
يخطئ في التصحيح او ان لا يعدل في النقاط؟
هل من الكفاءة و الأمانة ان يغادر القسم و لم يفهم درسه
تلامذته ؟ و هل يستطيع النوم بالليل بعد ذلك ؟
هل يشتكي من ازدحام الأفواج التربوية؟
و لو شئت لسقت لكم العشرات من الأسئلة التي تدور في
العقول..
هل تجد مهنة او
وظيفة إنسانية تفوق مهنة التعليم ؟
أجيبكم بعلم و
حزم و ثقة قائلا: لا أظن فهي أم المهن (المعلم أبا للجميع للمعلم و للطبيب و
للمحامي و للقاضي و الوزير و الرئيس)..
يمكنك أن تمارس
مهنة تكسير الحجر ثم تستلقي بعد ذلك قليلا
من الوقت فترتاح ..
لكن مهنة التعليم تذهب معك و ترافقك إلى بيتك بل إلى مخدعك تعيش معك
عندما تستيقظ و عندما تجلس إلى مائدة الطعام
هي معك في الليل و في النهار و عندما تجلس لتستمتع بأيام العطل و نهايات الأسابيع..
ما ترك لنا شوقي رحمة الله عليه شيئا نعتذر به عندما قال:
وَإِذا الـمُـعَـلِّـمُ لَـــم يَــكُـن عَـــدلاً مَــشـى///روحُ الــعَــدالَـةِ فـــــي الــشَــبـابِ ضَــئـيـلا
وَإِذا الــمُــعَـلِّـمُ ســــــاءَ لَـــحـــظَ بَــصــيــرَةٍ///جـــــاءَت عَـــلــى يَـــــدِهِ الـبَـصـائِـرُ حـــُـولاَ
إنها مهنة صعبة لكنها تجربة تربوية و إنسانية ممتعة ، بقدر ما تبذل فيها جهدك لتعلم تزداد أنت بها
علما و حنكة و خبرة.. بشرط ان تحبها فإذا أحببتها اتقنتها و صبرت على متاعبها ثم تعلمت منها و فوق ذلك تنشأ بينك و
بين من علمتهم صداقة وثيقة لا تنفصم عُراها حتى بعد الموت...
عشتها و عايشتها لم تتعبني كممارسة ثنائية بين أستاذ و
تلميذه و لم تتعبني في تحضيراتي او حتى إلقاءاتي للدروس على ملإ كبير من التلاميذ
لسنوات طويلة ببساطة لأنني كنت أحبها كمهنة..
قد تتعبنا العلاقات الإدارية بظلمها أحيانا و جهل بعض
الممارسين لها ..أما مهنة التعليم كمهنة هي في حد ذاتها تجربة ممتعة فيها الكثير
من الأجر و أحسب أن من مارسها بإخلاص و تجرد ليس له جزاء إلا الجنة إن شاء الله...
كتبت هذه الكلمات في عيد المعلم الذي يوافق الخامس من
أكتوبر2020/1442 و كل من المعلم و التلميذ
يتهيئان للدخول المدرسي قريبا ،فهنيئا لكل معلم و معلمة و هنيئا لكل من منهم يعتبر
نفسه مربيا قدوة.
كتبها الفقير إلى
رحمة ربه:
جمال بن السايح أبي
أنفال
الأغواط في:
05أكتوبر2020/ 18ربيع الأولى 1442