Image djamal_hikma1
BASMALA
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشخصيات التربوية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشخصيات التربوية. إظهار كافة الرسائل

جدي رحمه الله



Share:

العثمانو فوبيا



العثمانوفوبيا

(أو الخوف من الدولة العثمانية الجديدة)


أن يخاف اليوناني من تقدم تركيا وطموحها لاستعادة ذاتها ودورها ومجدها قد أفهمها لأني أفهم أنه لم ينس أنه كان تحت سلطان الخلافة رغم نسيانه انها احترمت حريته الدينية بموجب عقيدتها الإسلامية نقيضة تعصب الأرثودوكسية.

وأن يخاف الفرنسي من تركيا لنفس العلة قد أفهمها لأنه لم ينس أن عربدة أجداده توقفت بمجيء آل عثمان وإن نسى أن اجداده احتموا بالخلافة العثمانية.

وأن يخاف البرتغالي من تركيا قد أفهمها لأن الخلافة طردتهم من بحر العرب ومن البحر الاحمر ومن الابيض المتوسط.

وأن يخاف الالماني من تركيا قد أفهمها لأن الخلافة أخرجت مؤسس أوروبا الحديثة شارل الخامس من الأبيض المتوسط وأنهت حرب الاسترداد خاصة في المغرب الكبير وأنهت مشروع القيصرية المسيحية في الإقليم.



وأن يخاف الفارسي من تركيا قد أفهمها لأنهم كانوا ولا يزالون في حرب على الإسلام السني ولم يلجمهم حقا إلا السلاجقة بداية والخلافة غاية.



أما أن يخاف الإسرائيلي من تركيا فهو ما لم أستطع له فهما غير نكران الجميل والعدوان العنصري لأن من حمى يهود العالم في حرب التصفية العرقية والدينية في أوروبا الصليبية والاستردادية هي الخلافة الإسلامية.



وأما أن يخاف أنذال العرب من تركيا ويعادون نهضتها فذلك هو اللغز الذي يحيرني حقا. فلا يمكن لعربي له ذرة من الرجولة وبعض الشهامة أن يتنكر لمن لولاه لما بقي عربي بعد سقوط الخلافتين الأموية الكبرى والأموية الصغرى.



فلولا السلاجقة لذهبت ريح السنة والعرب.
ولولا العثمانيين لما بقي مسلم في الاقليم.
فحرب الاسترداد كانت أقوى حتى من الصليبيات لأن
هذه حدثت لما كان الإسلام أكثر تقدما وقوة
وتلك حدثت لما شرعت الأمة في الانحدار على كل المستويات الروحية والمادية.

ولولا العثمانيين لصار الأبيض المتوسط كما كان يسمى “مارا نوسترا” تابعا لروما التي كان شارل الخامس ينوي استعادتها.
ولكان نفس الشيء قد حصل في بحر العرب والبحر الأحمر والخليج
ولكان الحلف بين الصفويين والبرتغالين قد حقق ما تفاخر به إيران الآن من استعادة ما تعتقده حقها في كل ما كان قبل الإسلام من مستعمرات لها مثل المناذرة ومن مستعمرات بيزنطة مثل الغساسنة.

وقد تكون إسرائيل بديلا من بيزنطة ولعل روسيا تحلم بذلك الآن. فقد يكون بوتين يخطط لاستئناف دورها.

لكني أفهم أن يكون هذا موقف الحكام من أجلاف العرب الذين نصبهم الاستعمار الإنجليزي لخيانة الخلافة والحلف معه لأسقاطها.

وأفهم أن يكون بقايا القوميين وبقايا من عبيد الفاشية العسكرية وبقايا اليسار من عبيد أي مستبد في العالم وليس بين العرب وحدهم وأن يكون من لا وجود لهم إلا بوصفهم حركيين من حزب فرنسا في المغرب الكبير ولبنان

أفهم أن يكون كل هؤلاء خائفين من الاستئناف عامة ومن عودة تركيا لحاضنتها الإسلامية ولماضي أجدادهم ومجدهم خاصة.

فهذا يعني نهاية كل أحلامه البدائية بالعيش على قشور المدنية بدعوى الحداثة والتنوير الذي لا يتجاوز الحانة والعانة.
فما رأيت في حياتي نخبة بهذه البلادة والحمق لكأن الحداثة هي العيش الاستهلاكي بالتسول وليس بالإنتاج المحقق لشروط الكرامة والحرية وعدم التبعية.

ما لا أفهمه حقا هو أن العرب ليس لهم ما يخيفهم من تركيا. فهم بقليل من العقل يمكن لأربع من “دويلاتهم” في الخليج – الكويت وقطر والإمارات والسعودية – وحدهم أن يكونوا قادرين على أن تكون لهم قوة اقتصادية وحتى عسكرية تضاهي قوة تركيا مرتين: فمجموع دخلهم القومي يتجاوز التريليونيين.

كان يكفي لو كان لهم طموح الاجداد ليتحرروا من عبث “الاولاد” أن يكونوا قوة بدخل قومي خام يفوق ضعف دخل تركيا الخام فلا يخافوا منها بل يعتبروها سندا يزيل الخوف عن الامة كلها من غير سنة الإقليم وحتى أمة الإسلام كلها من المغرب إلى اندونيسيا ومعهم المسلمون في المهاجر إذا اتحد العربي مؤسس دولة الإسلام في البداية والتركي حاميها في الغاية.

لكن أجلاف الحكام العرب – حاشا الشعوب التي ليس لها من طموح يضاهي هذا الحلم الذي هو في المتناول – يفضلون انقسامهم إلى نوعين من العبيد والمحميات.

فهم انقسموا بدلا من ذلك إلى عبيد الصفوية وعبيد الصهيونية يدفعون الجزية ضعفين لروسيا وأمريكا ولذراعيهما إيران وإسرائيل حتى يتمتعوا بالعودة إلى تناحر القبائل العربية وحروب داحس والغبراء.

ذلك هو ما يجعل حكام العرب اليوم قد جعلوا شعوبهم ذليلة تعاني من الاستبداد والفساد ومن بطولات وهمية لزعماء أوغاد ونخب سياسية وثقافية من سقط المتاع أرقى درجة يطمحون إليها هي أخذ الحداثة بالمقلوب لظنهم أنها قابلة للاستيراد جاهزة مقابل بيع زيت الحجر أو المتاجرة بالبشر والدياثة التي يخلطون بينها وبين الحداثة.

إن لله في خلقه شؤون.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي

تونس في: 1441.04.29 – 2019.12.27

Share:

اياما مع جدتي خديجة



جدتي خديجة رحمها الله



كنت قد  كتبت عن جدي الحاج محمد  بن السايح رحمه الله ، ووددت ان أكتب عن جدتي خديجة خميلي رحمة الله عليها.

في الحقيقة ما سأخطه  ليس ترجمة و لا تاريخا لحياة جدتي ،لكنني ساكتب  عن لحظات قضاها طفل صغير بريء مع جدته التي لم يكتب لها ان تعيش طويلا، و ما تحفظه الذاكرة لطفل صغير عاش 

معها على اكثر تقدير ثلاث سنوات او اربع عندما بدأ يعقل و تمكنت ذاكرته من مسك بعض التفاصيل عن حياة جدة ملت الحياة و غادرتنا على عجل في بداية الستينيات من عمرها رحمها الله، و كنت قد بدأت اسجل مواقف لها و سلوكيات منذ ان بلغت الرابعة من سني . كانت الجدة في الماضي عندنا تسمى (بالحَنَّةِ)بفتح الحاء و النون و كسر التاء، و واضح ان هذه التسمية انبثقت من الحنان ، وبالفعل كانت

 جدتي خديجة حنونة علينا رؤوفة بنا و كانت تكلمنا دوما بصوت جميل لطيف لا تهديد فيه و لا وعيد إلا في حالة أن أخطانا فكانت رحمها الله تفتح  عينيها واسعتين و تحدق فينا بنظرة حادة فيكفينا ذلك تهديدا و وعيدا ، فنرعوي و نحجم عن أفعالنا التي لا ترضاها..
ما سمعت جدتي تصرخ يوما لا فينا و لا في والدتنا بل كانت تعيش معنا بهدوء تام ..


ما سجلته ذاكرتي عنها انها كانت ودودة حنونة زوّارة لأقاربها تخرج في كل يوم لقضاء حوائج البيت إذ الوالد كان يعمل بعيدا في الصحراء  .

كما انها كانت تساهم في حل مشكلات الجيران و تقضي حوائجهم بل و كانت تساهم في فك الخصومات بينهم..

صحيح انها كانت دوما صموتة لا تكاد تسمع صوتها قليلة الكلام و كأنها تحمل على كاهلها هموم السنوات الماضية أيام الاستعمار حيث كانوا فقراء يعتمدون في عيشهم على ما تعمله أيديهم : و كم روت لي والدتي فضلها الكبير عليها ،إذ علَّمتها جدتي طريقة حياكة

البرانيس و( القشاشيب) و الزرابي بما يسمى عندنا بالعامية 
(المِنْسِجْ)أي الحياكة النسيج بخيوط الصوف و الحرير و الشعر..





و كانتا تقومان ببيع انتاجهما في السوق و بذا توفران الفرنكات الفرنسية لقضاء الحوائج و التبضع و تقاومان شظف العيش و الفاقة و هكذا كان كل الجزائريين إبان الاستدمار الفرنسي.

كانت حياة صعبة بالفعل الاستعمار و الفقر،  كم عانى اجدادنا و آباؤنا نحمد الله تعالى اننا كبرنا في كنف الحرية و تنفسنا عبقها و عشنا و تربينا في الأمن و الأمان رحم الله الشهداء.

زمن الاستدمار الفرنسي

و من الأشياء التي لا تزال عالقة بذاكرتي أنني كنت أحب جدتـــــي
و احب مجالستها فكانت رحمها الله تعلمني أشياء حفظت بعضها و نسيت البعض الآخر  كلها كانت نصائح حول المستقبل ، و كانت بين الفينة و الأخرى تردد على مسامعي جملة  لا انساها ابدا إذ حفظتها ذاكرتي الصغيرة رغم عدم فهمي لها آذاك ، كانت تقول لي رحمها الله (صندوق باجة خصاتو حاجة) طبعا هذا من الألغاز التي كانت تردد آنذاك و كانت ترددها علي عدة مرات دون ان تطلب مني جوابا و لا شرحا و لا كانت تشرح لي معناه..
و غيره من الألغاز الأخرى (خُب خُب إشوف الماء يُهرُبْ...راه راهْ يا مطْراه منصابو يتكل)...الخ...

ما كان يميز كلامها  وصاياها فقد كانت تكلمني عن الأخلاق الحسنة و كيف يكون الانسان محبوبا ،وعن العمل و النشاط ،و كثيرا ما كانت تكلمني رحمها الله عن الموت(نعم عن الموت) بل كانت تسألني دوما : هل ستزورني في قبري عند موتي؟ و كنت احتار في إجابتها و بعد إلحاحها كنت أقول لها نعم، فكانت تبتسم، رغم انني لم اكن ادرك فعليا كُنهَ الموت و معناه ،و إنما هي كلمة مبهمة بالنسبة لي ارددها دون افهم معانيها..

كانت ترسم لي شكل القبر و تقول لي سيصنعون لي قبرا مثل هذا، كانت رحمها الله وكأنها تعرف موعد لقائها بالله.

لم تمض على هذا الكلام سنتان إلا و مرضت و لقيت فعلا ربَّها و هي لا تزال في بداية الستينيات(1967).

ومن الأمور التي لا تزال محفورة في ذهني أنها علمتني و شجعتني رحمها على القيام بمهام الكبار و انا لا زلت ابن الخمس سنوات فقد امرتني بعد تزويدي بالنصائح ان أذهب إلى مطحنة الحبوب لأقوم



بطحن القمح (كان خبزنا كله من القمح) 





و كانت المشكلة انني لم اقم بدفع عربة النقل اليدوية (الشريطة) في حياتي خاصة إذا كان بها  ربع قنطار من القمح و كان ثقيلا على طفل في الخامسة من عمره ،لكنها قامت بموازنتها لأشعر بها خفيفة و زودتني بالنصائح و قالت لي إنك تعرف سياقتها و ستقوم بالمهمة على اكمل وجه لا تخف اذهب و تعلم.

و فعلا ذهبت إلى المطحنة (الرَحاَية) بالدارجة و استقبلني صاحبها (سي حمزة) رحمه الله و بدأ بي لأنني صغير ثم قام بطحن الزرع كله فصار دقيقا أملسا ،ثم أرجعه إلى الكيس مرة أخرى و وازنه منجديد في العربة اليدوية و قال لي : اذهب رافقتك السلامة يا بني.
و كانت جدتي تنتظرني على احر من الجمر و لما رأتني قد رجعت سالما و قد اديت المهمة فرحت بي فرحا كبيرا و ضمتني إلى صدرها و قبلتني ثم اشبعتني إطراء  و شكرا ، و ظلت تنوه بما عملت فترة من الزمن، ولم تكن لدينا مثل اليوم الحلوى و الشكولاتة بل كلمات

شكر و إطراء كانت تغذينا فتكفينا...و كانت تقول لأمي ألم اقل لك انه سيفعلها؟ تقصد أنني استطيع أن أذهب لطحن القمج و اعود بسلامة الله...



دخلت المدرسة بعد اشهر (1965) من هذه الحادثة ،و مرت  سنتان و في بداية السنة الدراسية (1967) رحلت جدتي عن عالمنا إلى ربها و هي لم تتجاوز سن الستين إلا بسنتين ..رحم الله جدتي خديجة رحمة واسعة و غفر لها و أسكنها الفردوس الأعلى.


جمال بن السايح ابو أنفال
الأغواط في 29/12/2019




Share:

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني




محمد رسول الله




يقول الشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه فقه السيرة: 
لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام إماما لقبيل من الناس صلحوا بصلاحه، فلما انتهى ذهبوا معه في خبر كان، بل كان قوة من قوى الخير، لها في عالم المعاني ما لاكتشاف البخار والكهرباء في عالم المادة.

وإن بعثته لتمثل مرحلة من مراحل التطور في الوجود الإنساني، كان البشر قبلها في وصاية رعاتهم أشبه بطفل محجور عليه، ثم شبّ الطفل عن الطوق ورشح لاحتمال الأعباء وحده.

وجاء الخطاب الإلهي إليه -عن طريق محمد (صلَّى الله عليه وسلم) يشرح له كيف يعيش في الأرض، و كيف يعود إلى السماء. فإذا بقي محمد (صلَّى الله عليه وسلم) أو ذهب فلن ينقص ذلك من جوهر رسالته.

إن رسالته تفتيح للأعين والآذان، وتجلية البصائر والأذهان، وذلك مودع في تراثه الضخم من كتاب وسنة.



إنه لم يبعث ليجمع حول اسمه أناساً قلّوا أو كثروا؛ إنما بعث صلة بين الخلق والحق الذي يصحّ به وجودهم، والنور الذي يبصرون به غايتهم.
فمن عرف في حياته الحق، وكان له نور يمشي به في الناس فقد عرف محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) واستظل بلوائه وإن لم ير شبحه أو يعش معه.

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } (سورة النساء 174 - 175) 

فإذا رأيت بعض الناس يتناسى دروس الأستاذ، ويتشبث بثيابه وهو حي، أو يتعلق برفاته وهو ميت، فاعلم أنه طفل غرير،ليس أهلاً لأن يخاطب بتعاليم الرسالة بَلْهَ(كيف) أن يستقيم على نهجها.



أقوال الشعراء

قال شاعر الرسول: حسان بن ثابت

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني*** وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُـــــــــلِّ عَيبٍ *** كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ



و قال أمير الشعراء:

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ***وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ***لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ

وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي***وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا***بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ

وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ ***وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ

نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ***في اللَوحِ وَاسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ***أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ



مقطع للشيخ كشك رحمه الله

أقوال أرباب الفكر من غير المسلمين












مع تحيات جمال بن السايح أبو انفال
الأغواط في:12ربيعا لأول 1441/  09-11-2019

























Share:

ولد لينتج فكرا لامعا



مالك بن نبي ..راهب الفكر

الأستاذ مالك بن نبي

بقلم : أ.د مولود عويمر

أقول أن مالك بن نبي ولد ليفكر، ويعيش للفكرة، ويموت مفكرا، ويخلد في ذاكرة عالم الأفكار. وسأحاول في هذه السطور أن أشرح هذه المعاني بشكل مختصر.

مالك بن نبي ولد ليفكر

ظهرت علامات النبوغ مبكرا عند مالك بن نبي، وانكشف اهتمامه بقضايا الفكر والإنسان ومشكلات الحضارة وهو مازال لم يبلغ الحلم. وكان صاحب نظرة ثاقبة ونباهة يدرك ببصره ما لا تنتبه له أبصار غيره. ويفقه ما حوله بينما غيره في غفلة ساهون.

كما كان يستفيد من كل ما وقع عليه نظره أو سمعته أذناه ليتحوّل إلى موضوع تأمل وتدبر. وهناك أمثلة كثيرة في هذا الموضوع أكتفي هنا بالإشارة إلى المثال التالي الذي يؤكد ذلك ويدعمه.



حاول مالك بن نبي مع مجموعة من أصدقائه في باريس الإجابة عن السؤال التالي: " ما هو أهم حدث في حياتك ولمن تنسبه؟"خلال جلسة اعترافات على الطريقة الأمريكية.

وكان جواب بن نبي بسيطا في مظهره لكنه عميق في جوهره. إنها قصته مع قطعة الرفيس، وهي حلوى تبسية تصنع من الطحين والسكر والتمر والزيت. كان يتناولها على عادته كل يوم الجمعة بفضل عمل والدته المضاعف والشاق، فإذا بفقير يقف عند عتب دارهم ليطلب صدقة. ورغم فقر بن نبي وحبه الشديد لهذه الحلوى فإنه آثر المسكين على نفسه بسبب تذكره لحكاية سمعها من جدته تناولت قيمة الإحسان وثواب المحسنين. فهذا السلوك الإنساني الراقي لا ينبع دائما من طفل لم يبلغ عمره إلا 6 سنوات

واستحضر هنا مشهدا شاهدته على قناة تلفزيونية فرنسية يمثل أما رواندية أم صومالية – لا أتذكر الآن- نزعت لقمة خبز من فم صبيها لتأكلها وتتركه جائعا يبكي. إن الجوع والفقر والبؤس لا ينتصرون على البطون الخاوية إلا إذا كانت العقول بالية أيضا !

مالك بن نبي عاش للفكرة

لم يعش مالك بن نبي لذاته وإنما عاش للفكرة وذاب في معانيها. وهكذا لم يتحدث عن نفسه في مذكراته وإنما فضل أن يخاطب قارءه من وراء الحجاب. ولم يتحدث عن الأنا.
وكانت من أهم الأفكار التي شغلت اهتماماته وخصص لها عمره كله الفاعلية والنهضة والحضارة. فلا تجد كتابا أو مقالا أو محاضرة له لم يعالج فيها دور فعالية الإنسان المسلم في تأسيس النهضة والإسهام في البناء الحضاري........



مالك بن نبي مات مفكرا

لقد عمل مالك بن نبي في الإدارة كعادل لدى محكمة آفلو في عام 1927 ثم انتقل إلى محكمة شلغوم العيد غير أنه سرعان ما استقال حتى لا يشارك في قهر إخوانه ومضاعفة بؤسهم وحرمانهم من حقوقهم المشروعة التي يبخسها قانون الأنديجينا.

كما مارس التجارة في عام 1929 فلم يجني منها إلا الخسارة والإفلاس. وحاول أن يكون كذلك مقاولا في تبسة لكنه لم ينجح في ميدان سيطر عليه أرباب العمل الفرنسيين، واستحوذوا فيه على كل مشاريع البناء في المستعمرة.

كما أنه لم يتمكن من الالتحاق بمدرسة الدراسات الشرقية لدراسة الحقوق، لأن الانتساب إلى هذا المعهد الشهير يخضع لشروط سياسية حينما يتقدم إليه الطلبة من المستعمرات. واعتبر مالك بن نبي هذا الإقصاء حرمه من حقه في أن يصبح محاميا للدفاع عن المظلومين الذين شاهدهم بعينيه في محكمة آفلو ومحكمة شلغوم العيد وفي كل القطر الجزائري.

وهكذا يجد نفسه مضطرا لدراسة الكهرباء في معهد اللاسلكي الذي يتخرج في عام 1936 بشهادة المهندس التي لم تسلم له رغم تفوقه ونجاحه العلمي. وتيقن في قرارة نفسه أن مستقبله المهني ليس في فرنسا أو الجزائر المستعمرة وأنه يتعين عليه أن يبحث عن فرصة عمل في إحدى الدول العربية والإسلامية. وهكذا راسل قنصليات المملكة العربية السعودية ومصر واندونيسيا وأفغانستان للعمل فيها كمهندس يهتم بتطوير الطاقة الشمسية بينما تهتم زوجته الفرنسية بتعليم الخياطة للنساء لكنه لم يوفق. فقرر السفر إلى ألبانيا لعله يجد فيها عملا في تخصصه لكنه وجد البلاد في ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة فعاد خائبا إلى فرنسا. وقد بلغ به اليأس أن تمنى في طريق عودته انحراف القطار عن مساره ليموت هو ومن معه.

واشتغل بن نبي مدرسا في مركز ثقافي للمهاجرين بمرسيليا (1938) يهتم بمحو الأمية. وسرعان ما أغلقته السلطة الاستعمارية بذريعة عدم امتلاك بن نبي للرخصة بينما يمثل هذا القرار التعسفي معاقبة له على مواقفه السياسية وتوعيته المستمرة للمهاجرين وعدم الاكتفاء ببرنامج تعليم الحروف والكلمات لأبناء وطنه المتعطشين لدراسة كل ما له علاقة بتاريخهم وهويتهم وتحرير نفوسهم وتبصير عقولهم.

.........
لقد كان فشل بن نبي في التجارة والإدارة والبحث عن العمل في مجال تخصصه العلمي نقمة عليه بينما كان ذلك نعمة على الفكر. فتفرغ بن نبي للكتابة والعمل الفكري إلا أن لقي ربه وهو مفكر مرموق.
وإذا كان الفشل يثبط عزائم البسطاء و الضعفاء فإنه يحفز العظماء على خوض المعركة في ميادين أخرى لتحقيق طموحات جديدة. ذلك ما فعله الملهم الأكبر لمالك بن نبي، العلامة عبد الرحمان بن خلدون (1332-1406) الذي هجر السياسة بعد أن فشل فيها فاعتكف 4 سنوات في قلعة بني سلامة بناحية فرندة وألف في مغارته رائعته الخالدة " المقدمة". كذلك تفرغ بن نبي للكتابة فألف روائعه: شروط النهضة، مشكلة الثقافة، ميلاد مجتمع ...الخ.

وكلما قرأت حياة مالك بن نبي تذكرت دائما المفكرين الألمانيين كارل ماركس(1818-1883) ونوربير إلياس (1897-1990) ربما لشبه بينهم. فماركس اعتكف على البحث والكتابة بفضل المساعدة المالية التي كان يقدمها له باستمرار صديقه الثري فريدريك أنجلز (1820-1895).
كما تفرغ إلياس لتأليف كتابه الضخم " حضارة العرف" بفضل المنحة التي كان يعطيها له المؤتمر العالمي اليهودي رغم حاجته إلى المال لمساعدة اللاجئين اليهود الهاربين من أوروبا الشرقية إلى إنجلترا أثناء الحرب العالمية الثانية.
كذلك تفرغ مالك بن نبي للكتابة بعد فشله في البحث عن العمل بفضل المساعدة المالية التي تقدمها له جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وصديقه صالح بن الساعي ومنظمة المؤتمر الإسلامي فيما بعد وغيرهم من الأصدقاء الأخلاء والتلامذة الأوفياء الذين يقدرون علمه.

.........

مالك بن نبي خالد في ذاكرة عالم الأفكار

لا يخلد العالم أو المثقف إلا بما خطته يداه فينتفع به الناس أو بما تركه من تلامذة مخلصين يحيون ذكره أو كسبه من باحثين صادقين يروّجون فكره، أو إقناع مؤسسات بصلاحية تصوراته وأهمية ورؤاه وقيمة نظرياته فتجسدها على أرض الواقع وفي حياة الناس.



فمالك بن نبي خلد نفسه في ذاكرة عالم الفكر بكتاباته وأفكاره التي تكتسح باستمرار ميادين العلم والمعرفة خاصة بعد أن ترجمت العديد منها إلى اللغات الأجنبية. ودخل اسمه عالم الخلود بالدراسات المنجزة حول حياته وفكره في رحاب الجامعات الجزائرية والعالمية.

.........

ولا شك أن مراسلات بن نبي كثيرة، وهي قادرة على كشف جوانب مجهولة من حياته ومساعدة المهتمين بتراثه على فهم مواقفه من قضايا كثيرة خاصة ما تعلق بعلاقاته مع خصومه من السياسيين والمثقفين أو حياته الشخصية. وفي هذا السياق، أطلعني صديقه الليبي الدكتور محمد رفعت الفنيش على مجموعة من الرسائل التي كتبها له بن نبي، وذلك أثناء لقائنا في تلمسان بمناسبة ملتقى دولي نظمته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في ديسمبر 2011. حول فكرمالك بن نبي.


وشاءت الأقدار أن أكتشف بدوري نصوصا غير معروفة نشرها بن نبي في مجلات عربية أو ألقاها كمحاضرات في مناسبات علمية. وقد نشرت بعضها في كتابي "مالك بن نبي رجل الحضارة". ووجدت مؤخرا أثناء رحلتي إلى المغرب مقالات كتبها بن نبي في مجلة فكرية اسمها " الشراع" تصدر في إقليم تطوان يشرف عليها أحد مريدي بن نبي في القاهرة عندما كان طالبا بجامعتها، وهو الأستاذ محمد شهبون، بالإضافة إلى مجموعة من الدراسات والمقالات المنشورة في الجرائد والمجلات المغربية حول مالك بن نبي



لماذا لم يتحقق على أرض الواقع إذن؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كان فكر مالك بن نبي عالميا وحيويا كما وصفناه في هذه الدراسة، فلماذا لم يتحقق على أرض الواقع إذن، أم أنه فكر عقيم غير قابل للتطبيق؟
والجواب هو أن كل فكرة تحتاج إلى من يتبناها و يحوّلها إلى عمل ملموس. والفكر البنابي النهضوي ينتظر من يجسده على أرض الواقع. وكان بن نبي نفسه مؤمن في قرارة نفسه أن المشاريع الكبرى لا تتجسد إلا إذا اجتمعت إرادتان: قلم العالم وسيف السلطان.

إنها الفكرة التي استخلصها من تجربة القائد عبد المؤمن بن علي والعالم المهدي بن تومرت اللذان أسسا دولة الموحدين. وهي الفكرة التي استنبطها أيضا من تأسيس الدولة السعودية التي توحدت فيها السلطة السياسية التي تمثلها أسرة آل السعود والسلطة العلمية والدينية التي تمثلها أسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (آل الشيخ). وتجسدت بعض أفكار بن نبي في ماليزيا حينما تبناها الحكومة الماليزية واستفادت منها في مسيرتها التنموية.

هذه هي الأفكار الأساسية التي أردت أن أعالجها في هذه الورقة، وفي رحاب هذا الملتقى العلمي المنعقد إحياء للذكرى الأربعين لوفاة مالك بن نبي، راجيا أن تساهم في إثراء نقاش بناء يساعد على استيعاب الفكر البنابي ......

نقلناها بتصرف عن موقع مالك بن نبي/جمال بن السايح أبو أنفال و هي عبارة عن:
محاضرة قدمها الكاتب في ملتقى "الفكرة عند مالك بن نبي" الذي نظمه مركز الرؤية للدراسات الحضارية يومي 25 و26 أكتوبر 2013.

Share:

نجوم



Al_Ihtiram
Image جمال

اليومية

Imagedjamal
Image and video hosting by TinyPic

يمكنك تغيير البلد و المدينة مباشرة بتحريك المصعد



Image and video hosting by TinyPic الأغواط

مدينة الأغواط

الساعة و التاريخ بالجزائر

مرحبا

مرحبا

وصف المدونة

مدونة تهتم بالفكر التربوي، بالإبداع التربوي و الإداري ، بالشخصيات التربوية، بأسرار التفوق ، و النجاح، ، بالفيديو التربوي، و بالصورة التربوية.

جديد/مدونة الدعاء الجميل إضغط على الصورة

الدعاء الجميل
تحويل التاريخ الميلادي إلى الهجري و العكس

مدونة كتب تهمك

الدعاء الجميل

مكتبة الدكتور الصلابي/اضغط على الصورة

أحدث المواضيع

الاكثر قراءة