الأستاذ يوسف مرزوقي
رجل علم و تربية
ليس من السهل أن تتكلم عن رجل تعددت مواهبه الإنسانية و العلمية و
الثقافية و المهنية ، بحيث لا تستطيع ان تعرف أيتها تمثل الأولوية في حياته
لكنني ارجح أن تكون الموهبة الانسانية قد تفوقت لديه عن
مثيلاتها الأخرى...
هذا الأستاذ الفاضل الذي غادرنا على عجل مؤخرا و دون استئذان
هو الأخ الفاضل يوسف مرزوقي رحمه الله رحمة واسعة..
لا أدعي أنني اعرف كل شيء عن الرجل فقد عرفه الكثير من
الناس غيري قبلي و بعدي و احبوه و زاملوه و رافقوه اكثر مني ،لكنني
ازعم انني اعرف الكثير من مزاياه و اخلاقه و سجاياه، فقد طلبنا العلم سوية
في فترة الثانوية و تآخينا بعد في العمل الإسلامي في باكورته الأولى و بعد ذلك ..
و قد كانت زياراته لي لا
تنقطع سواء خارج ولاية الأغواط أو فيها بعد رجوعي إليها سنة 2001...فقد كان رحمه
الله على خلق متين و على دين ، شديد الحيوية و النشاط تشبهه فيزيائيا
بالإلكترون الذي يتسارع في مداره و مدارات أخرى لا يلوي على شيء و لكأن
تشبهه فيزيولوجيا بالفراشة الزاهية الألوان التي تتنقل بين الحقول
الجميلة و الروابي الخضراء ،يحمل سلوك الصقر في العلو عزة و شموخا ، تارة ، كما
يحمل حنو اليمامة في بذل النفيس و فعل الخير و خدمة الناس و سلوك النحلة
المتنقلة بين الأزهار و الحقول تارة أخرى طلبا للعلم و نشره و مجالسة
العلماء و المثقفين و اهل الدراية..
كان رحمه الله مثقف الفكر ذكي الفؤاد ثاقب الرؤية ناضجها ،
يملك بديهة حاضرة و نكتة سارة ،مرهف الحس لدرجة الغضب سريع الأوبة و
التسامح طلق المحيا بشوشا، وخدوما و محبا للخير و مساعدة الأخرين دون افتخار
أو جعجعة و في هذا كان له قصب السبق و موهبة فذة لا تدانى ،بكل هذا تفوق علينا
رحمه الله.
دون اطالة سأروي لكم قصة طريفة حدثت لي معه وقد كان كثير
الزيارة لي في منزلي بمدينة -القرارة –ولاية غرداية -أيام كنت أستاذا بثانويتها..
وفي سنة 1989 زارني كعادته ، و فور جلوسه التقط من على
المنضدة كتابا و اخذا يتصفحه بينما هرعت إلى داخل البيت لأحضر له الشاي الذي
كان يحبه كثيرا .
بعد رجوعي وجدته لا يزال منهمكا يلتهم صفحات الكتاب و يقلبه
وُريقاته على عجل و يقول لي يا جمال هذا الكتاب أعجبني ففهمت على الفور انه
يطلب مني إهداءه إياه، و لما كنت لم افرغ من قراءة الكتاب الممتع
من جهة و حبي للكتب من جهة أخرى قد افضل
الجود بالمال و لست اجود بالكتاب ، فقد تظاهرت بانني لم اسمع تلميحه و تشاغلت بملء
كؤوس الشاي وأنا اراقب حركاته ،فلم يرفع راسه عنه و مد يده لكوب الشاي و عيناه لا تفارقان الكتاب،
ثم نظر إلي و أعاد ملاحظته مرة أخرى: كتاب رائع يا أخ جمال؟ فابتسمت و لم
اجبه و أخذت اتظاهر بارتشاف الشاي الساخن في تلك الأمسية الباردة من ذلك اليوم ،و بادرته
يا اخ يوسف الم تر العلامة المميزة لوقوفي على الصفحات فما زلت في بداية الكتاب و
لم أفرغ من قراءته و تعلم أنني اشتريته من مدينة البليدة في نهاية العطلة
الصيفية و لا يمكنني الحصول على نسخة أخرى إلا بعد ثلاثة اشهر في العطلة
المدرسية الشتوية القادمة ،و نحن كما ترى في بداية السنة الدراسية ،
فابتسم و قال: لا بد من ان تهديني إياه إنه رائع فعلا و تجادلنا قليلا
و لما رأيت أنه يلح في الطلب و عدته ان ارسل له نسخة منه فلم يقتنع باقتراحي
و اصر رحمه الله على طلبه متوددا يا اخ جمال أهدني هذا الكتاب بارك الله فيك
، ونزولا عند رغبته و بسبب الصداقة التي بيننا سلمت امري إلى الله و قلت له هو لك
يا أخ يوسف ، و كم كانت فرحته كبيرة بهذا الكتاب : الذي هو بعنوان :اعجاز القرآن و
البلاغة النبوية للكاتب الإسلامي الكبير مصطفى صادق الرافعي رحمه الله..
و في الحقيقة بدأت قصتي مع الكتاب سنة1980حين بدأت قراءة
نسخة قديمة مع الشيخ جمال امشتح رحمه الله من مكتبة جَدّه بشارع بن باديس
حيث كنا نقرأ منه بعض الصفحات و لم يتسن لي إكمال قراءة الكتاب بسبب
الانشغال بالدراسة في الجامعة و العمل مع الوالد صيفا بالبستان .
و بقي طيف الكتاب في مخيلتي حتى تسنى لي شراء نسخة منه طُبعت
بالجزائر سنة 1989 بدار- رحاب.
كان اخي يوسف يحب الكتب و القراءة و كان فعلا يغرف من معين لا ينضب
ولا يعرف هذه المزية فيه إلا من عاشره عن قرب و حاوره .. رحمه الله...
أعتذر لأخي يوسف عن زلات قلمي و قصوره التعبيري فانا و الله لا
زلت مهتزا من هول الصدمة إن الذي اعرفه عنه يعجز قلمي عن تدبيجه، و ما لا
اعرفه أتمنى ممن عرفوه عن قرب خاصة في الأعوام الأخيرة و عايشوه من الإخوة و
الأصدقاء و تلاميذه ان يتكفلوا بإظهاره للناس ففي سيَر الصالحين حكم
و عبر و لا نزكي على الله احدا.
رحمك الله أخي يوسف رحمة واسعة وجمعنا الله بك في جنة الخلد
إن شاء الله، مع الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا.
أخوك الفقير إلى رحمة ربه جمال بن السايح
ليلة الثامن من ربيع الأول 1439هـ الموافق لـ 2017/11/25