Image djamal_hikma1
BASMALA

الأستاذ الرشيق


الأستاذ الرشيق  سي مداني لبتر


وذكرتُ أيامَ الصّبَا وَ كأنَّها  سُبـ ْ***حَانَ مَنْ جَعَلَ السِّنينَ ثوَانيِ 


كل واحد منا تحمله أجنحة الذكرى إلى الصبا و أجمل ما فيه ان يتذكر الانسان المراحل الأولى من تعليمه ،خاصة السنوات الأولى منها أي مراحل الابتدائي حيث البراءة التامة ...

بالنسبة لي كانت هي السنوات التي بدأت من عام 1965 و انتهت عام 1969 قد تركت في عقلي و وجداني آثارا كبيرة من الجمال و الخيال ..

بل و حددت مستقبلي  و اختياراتي  المهنية..


و من المؤكد ان أشد البصمات ستاتي من المعلمين الأكثر براعة و حنانا و تشجيعا و قد يكون معلم بعينه او مجموعة منهم تجعلك تعشق مهنة التعليم و تتمنى ان تكون معلما  في قابل الأيام.


و من حسن الطالع أن حضيت  بالتتلمذ على ثلة من المعلمين الفضلاء في بداية الستينيات من القرن العشرين في مدرستنا الأولى العريقة "مدرسة الشيخ مبارك الميلي" و كان من بين الذين تركوا في نفسي و سلوكي بصمتهم معلمي الأول سي محمد مسعودي رحمه الله و سي مداني لبتر حفظه الله و بارك الله في عمره و سي العيد الصيقع (معلم اللغة الفرنسية) و سي عبد القادر الساسي (معلم اللغة الفرنسية).. حفظهم الله و بارك الله في أعمارهم.

 و اريد ان اقرر هنا شيئا لمسته  من خلال صحبتي لبعض المعلمين القدماء ، و الذين تميزت علاقتي بهم رغم تقادم الزمن و بقي سلوكهم تُجاهنا هُوَ هُوَ أي لم يتغير ولم يتأثروا بحوادث الزمن و متغيراته الثقافية و السياسية و العلمية بل بقوا كما عهدناهم منذ صغرنا حتى و إن لم  نكن معهم على نفس الذبذبات الموجية سياسيا و ثقافيا، فقد اختلفنا عنهم و لم نخالفهم أي كان اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ،و الاختلاف  سنة الله في عباده ({ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }) (سورة هود 118) ..


من هؤلاء  الرجل الطيب الفاضل الرجل الرشيق  أستاذنا "سي مداني لبتر" حفظه الله..


شرفني الله تعالى  أن أكون أحد  تلامذته خلال السنة لدراسية:

( 1967-1968) في مرحلة الابتدائية و بالضبط في السنة الخامسة ابتدائي بمدرستنا العريقة الشيخ مبارك الميلي.

الرجل الفاضل و المعلم الموفق "سي مداني" لبتر شخصية تربوية و ثقافية و سياسية محترمة عرفته منذ صغري  و تأثرت بشخصيته الجذَّابة  و كلامه العذب ،حيث كان على غير نمط الآخرين ، لين العريكة ودودًا ، دائم الابتسامة لا يعرف العُبوس إلى وجهه سبيلا و كنا نحب حصته جيدا  يدرسنا مادة اللغة العربية، فقد كان حفظه الله شديد الحيوية و النشاط يمتلك بيداغوجية جميلة ورائعة و جذابة يشدك إليه طيلة الدرس ،و السبب انه كان لا يترك فراغا إلا و يملأه  بالسؤال

و الحوار و في بعض الأحيان بالنُكت اللطيفة او التعليقات الخفيفة التي يطلقها  معلقا على واحد منا فلا نملك إلا ان نبتسم و في أحايين أخرى ننفجر ضاحكين فيشاركنا ضحكتنا و لا ينهرنا أبدا ، فكان بالفعل شخصية مرحة خفيف الظل، ملامحه و ابتسامته الدائمة التي تملأ وجهه تنم عن خبرة و ذكاء وقَّاد ، سريع الردود حاضر البديهة ..


 من الأشياء التي أذكرها له تمييزًا، أنه كان شديد الميل إلى دروس المحادثة و يركز  عليها ، و يشجعنا كثيرا على التواصل و التفاعل معه و مع بعضنا كما كان شديد الحرص على دروس الإملاء و قواعدها فكان يكثر من تمارينها حيث نكتب الكلمة على  اللوح او يملي علينا فقرة نسجلها على الكراس و في الحالتين كان يُذْكي بيننا  التنافسَ مما اكسبني على الخصوص مهارة في هذا الفن بل و تقدما و شجاعة في أن أعرض عليه بضاعتي قبل الزملاء و آخذ الدرجات الكاملة  مع تشجيعاته  الحارة التي كانت تملؤني نشوة و تزيدني ثقة بالنفس...

كانت ذاكرتي الصغيرة  تسجله و تنقشه داخل قلبي و كياني و أنا ابن الثامنة من عمري ..و من الصفات الجميلة التي جعلت منه معلما ناجحا أن كان (حفظه الله) حاد السَّمع لماحا ،يسمع همَساتنا بل و يعرفُ من أي مكان صدرت و ممَّن صدرت.

(و قد تعلمت هذه المهارة منه و طبقتها بعد ذلك لما صرت  أستاذا  بعد ذلك)..

قلت كانت حاسته السمعية قوية جدا و أكيد أنها مهارة طَّورَها في نفسه  ليكون على اتصال دائم و تام مع تلاميذه ليرشدهم و ليضبطهم..

فذات يوم و هو يكتب على السبورة، و كان الدرس محادثة تمحورت حول (حادث مرور) و كانت دروس المحادثة تبدأ بصورة كبيرة  تعالج موضوعا معينا مختارا من قبل المعلم، تعلق الصورة  على السبورة و يُطلَب منا التعليق عليها أي ان نَصِفَ الرسومات التي على الصورة و بعد ذلك يقوم المعلم بنسج فقرة حول الصورة يكتبها بيده على السبورة في هذا اليوم من عام (1968 ) بدأ الكتابة  على القسم الأيسر من السبورة

 و كنا نتابعه و نشاركه و لما بلغ كلمة(سيارته) كتب حرف الهاء في آخر الكلمة و آخر السطر لكن بصورة غريبة أثارت انتباهي حيث كانت كبيرة الحجم أكثر من الحروف الأخرى فهمست لزميلي :أريت كيف كتب الهاء؟

 فاستدار بسرعة و نظر إلي مبتسما  و علق بسرعة طبعا بالعامية : -"دِرْتها كيما  الكروسة- (يقصد رسمتها مثل السيارة)أي كتبتها كبيرة مثل السيارة،و هذه ميزة المعلم الذي يراقب كل صغيرة و كبيرة ، و يسمعها ، فينعكس هذا على عمله بالإيجاب...

مهما تكلمنا عن سي مدني لبتر ، فمن المؤكد سنغفل الكثير من شمائله و أفضاله  و مزاياه و إنما حصرت كلامي عنه في علاقتي به كتلميذ

و  من المؤكد أن هناك مواقف كثيرة له طيبة و مؤثرة لا يتسع  المجال لحصرها أو ان نحيط بها حصرا أو علما .

و من نافلة القول أن أذكر أنه سرعان ما قبل دعوتي له  عندما اتصلت به ليشرفنا بالثانوية (ثانوية بوسبسي بالأغواط)مرتين  الأولى بمناسبة يوم دراسي حول تعليم اللغة الفرنسية بتقنيات الحاسوب حضره سي مداني مع ثلة من أساتذتنا الأخرين، و المرة الثانية كانت دعوته  لينشط محاضرة للتلاميذ في ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960..

و نشط  بسمته الهادئ و كلامه المقنع الرصين محاضرة رائعة استمتع بها التلاميذ و التلميذات و كعادته شكرني على دعوته و شجعني بقوله لقد وجدت التلاميذ متفاعلين منصتين مهتمين و هذا ما افتقدته في مؤسسات أخرى و أماكن أخرى  زرتها من قبل.

حفظ الله أستاذنا لبتر مداني و جزاه عنا كل خير.

{ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (سورة البقرة 237)

بقلم  الفقير إلى رحمة ربّه  جمال بن السايح

الأغواط في :15/ ربيع الثاني/1438 هـ / 02/12/2016 م







Share:

نجوم



Al_Ihtiram
Image جمال

اليومية

Imagedjamal
Image and video hosting by TinyPic

يمكنك تغيير البلد و المدينة مباشرة بتحريك المصعد



Image and video hosting by TinyPic الأغواط

مدينة الأغواط

الساعة و التاريخ بالجزائر

مرحبا

مرحبا

وصف المدونة

مدونة تهتم بالفكر التربوي، بالإبداع التربوي و الإداري ، بالشخصيات التربوية، بأسرار التفوق ، و النجاح، ، بالفيديو التربوي، و بالصورة التربوية.

جديد/مدونة الدعاء الجميل إضغط على الصورة

الدعاء الجميل
تحويل التاريخ الميلادي إلى الهجري و العكس

مدونة كتب تهمك

الدعاء الجميل

مكتبة الدكتور الصلابي/اضغط على الصورة

أحدث المواضيع

الاكثر قراءة