Image djamal_hikma1
BASMALA

المربي العالم الفقيه


 شيخُنا و أستاذنا الفاضل إبراهيم قهيري  
حفظه الله وزاد الأمة به نفعا.


عرفته  وأنا تلميذ صغير في  الدخول المدرسي من سنة 1970 م - رجب 1390هـ  بعد أن اجتزت المرحلة الابتدائية  اي بعد نيلي لشهادة نهاية المرحلة الابتدائية - السادسة(سيزيم)  ، أيامها كان مديرا علينا بمتوسطة الذكور الجديدة (محمود بن عمر)، رجل مديد القامة  مهيب يتميز بصوت صارم رصين، دافئ من الوهلة الاولى تلحظ على محياه  و في حركاته الجد والنشاط والصرامة الادارية، لفت انتباهي أنه لا يستخدم كلمة تلاميذ  ، بل ينادينا بـ : 

يا أولاد.  

كان يقوم بالمناداة علينا في كل يوم اثنين من بداية الأسبوع حيث يجمع كل التلاميذ (خمسة اقسام  : الأولى متوسط  و قسم واحد ثانية متوسط  رَقمَها بالحروف الأبجدية :(ا،ب،ج،ـد،هـ بالاضافة إلى قسم سنة  الثانية متوسط يتكون من بضعة تلاميذ) و هذه أولى دفعات المؤسسة.



 بعد المناداة كان يأمرنا بالانصراف قائلا : ارجعوا الاسبوع القادم لأن الأشغال بالمؤسسة لم تكتمل ،  كانت  المؤسسة جديدة  في طور الانجاز.

استمر الحال على هذه الوتيرة لبضعة ايام كنا في البدايات يغمرنا الفرح عندما نؤمر بالانصراف لسببين أولا لأننا دخلنا في تجربة جديدة مرحلة المتوسط و ثانيها تخوفنا من هذه التجربة و تغير نمط الدراسة و تغير المعلمين ،  وكما تقول العرب: (لكل داخل دهشة ولكل غريب وحشة )، لكننا سرعان  ما بدأنا نألف المكان و سرعان ما بدأت تزول هذه الدهشة و كأن الأقدار بتأخر الدخول قد أيدتنا و جعلتنا  نألف المكان والزمان.

والأهم  في ذلك كله أن تعودنا على مدير من نمط جديد يعاملنا كأبِ (بحُنُوه وصرامته) ، فضلا  عن ذلك يكلمنا  باللغة العربية مستعملا قاموسا جديدا لم نعهده من قبل، قاموس جديد يلفت انتباهك ويشدك إليه شدّا فلا يدعك إلا معجبا  حائرا في قدرته الفذة على بناء جمل إبداعية كان في غالب الأحايين مرتجلة  ..منها على سبيل المثال أن أحد التلاميذ دخل القسم متأخرا بعد أن انصرف التلاميذ إلى اقسامهم  وكان يلهث تعبا وخوفا، فإذا به يفاجأ بالسيد المدير قد سبقه إلى تسجيل الغياب و هو يهم بالانصراف من القسم فلما رآه بادره قائلا: أين كنت يا ولد؟ فأجاب التلميذ : كنت في الخارج فعاجله قائلا: وأين جواز السفر؟!، فانفجر الأستاذ والتلاميذ بالضحك، و كانت مزحة خفف بها المدير هذا الأب  الحاني من روع التلميذ ثم سمح له بدخول القسم على أن لا يعاود التأخر مرة أخرى . ولما كان التلاميذ يتثاقلون في الدخول إلى الأقسام كان ينادي على الواحد منهم أسرع يا ثقيـــــــل(بمد الياء)... وعبارات كثيرة صارت مضرب الأمثال بين أبناء جيلنا لسنوات طويلة نتذكرها. 

ولم أر في حياتي مديرا أجمَع التلاميذ على احترامه و حبه  و تقديره والخجل منه مثلما أجمعوا على الشيخ الفاضل ابراهيم قهيري، و أرجعُ ذلك إلى أنه كان يتمتع بحاسة سادسة تربوية وخبرة كبيرة بالنفوس لأنه كان مُربّ من طراز خاص مبدع غير مقلد أبا ينصح  و يؤدب و يثقف  يزرع فينا حب اللغة العربية إذ كان يحادثنا بها في كل مكان في الساحة في الأقسام و حتى في الشارع لما كنا نلتقيه أو في المساجد بعد ذلك... كانت عينه علينا في كل مكان نكون فيه و كان يهتم بنا تربويا و علميا و اجتماعيا فلا يغفل عنا ،بل يمد لنا يد المساعدة وفي كثير من الأحيان كان يسائلنا عن دروسنا و ظروفنا... و مما يدل على اهتمامه بنا و متابعته الدقيقة لنا ، أنه في يوم من الأيام  زارنا في الأقسام  وأبلغنا أن البلدية قد افتتحت  مكتبة  جديدة في وسط المدينة (رحبة الزيتون) و أنه يتوجب علينا المواظبة على المطالعة فيها ،  وفوجئت به  و جمهرة من أساتذتنا قد سبقونا إلى المكتبة ، وذات يوم وأنا منكب على مطالعة أحد الكتب إذا به يدور علينا واحدا واحدا يقلب الكتب ليرى العناوين ، ولما كنت أقرأ كتابا ضخما لجرجي زيدان (عنوانه : عروس فرغانة) أو ما كان يروجُ له: (بروايات تاريخ الاسلام و الاسلام منها بَرَاء) ،و كنت في سن صغيرة (12سنة) فإنني ترددت قليلا حياء منه أن يرى ما أقرأ(او بالأصح أن يرى الصورة على غلاف الكتاب و هي عبارة عن غادة حسناء مزينة كعروس تظهر الصورة بعض مفاتنها)لكن إصراره على تقليب الكتاب جعلني أنصاع ، وانتظرت ردَّة فعله بل كنت أنتظر منه تقريعا و لوما ،لكنه بأبُوته الحانية تفرس في وجهي مليا ثم  علَت شفتيه نصف ابتسامة.

و من الأمور التي لا أنساها أبدا وكانت من إبداعاته أنه كان يفتتح الدخول المدرسي يوميا بالقرآن الكريم يستعمل تسجيلات للشيخ الراحل (قيثارة السماء) عبد الباسط محمد عبد الصمد و كم كنت استمتع بتلك التلاوات ونزول الرحمات ، جعل الله ذلك في ميزان حسانه فكانت سُنَّة حسنة تعلمناها منه ، وممّا علمته أنه لم يسبقه إليها أحد.. ولم يجرؤ على اتباعها من بعده أحد . وقد وفقنا الله تعالي لإحياء هذه السُنّة   بالثانوية التي أشرف عليها منذ 04 سنوات ، (محمد بوسبسي)..ويحرص على الاذاعة القرآنية بالثانوية أحد الشبان الصالحين.

و مما يلفت الانتباه ويزيدك إعجابا بالرجل أنه لفرط  اهتمامه بنا كان يعرفنا بأسمائنا و ألقابنا واحدا واحدا رغم العدد الكبير للتلاميذ في المؤسسة بل إلى غاية الساعة بعد مرور أكثر من أربعين سنة مذ عرفناه لا يزال يتذكر أسماءنا عندما نلتقيه..

عرفناه ببديهته الحاضرة وذكائه الحاد وتضلعه باللغة العربية و الفرنسية، عرفناه بصراحته  و شجاعته،لا يخشى في الله لومة لائم، عرفناه بتواضعه فكان لنا دائما قدوة في غُدونا وروَاحنا ، وأذكر أن تواضعه الذي تميز به  وإنكاره لذاته منعاه  من أن يتكلم عن نفسه  وجهوده في التربية والتعليم في الصحافة عندما دعوته(في التسعينيات) في (عام1992) لحوار على صفحات إحدى الجرائد الأسبوعية(جريدة النبأ) التي كنت أكتب فيها مقالات حول علم النفس(مُأسلما ما استطعت) فضلا عن أنني عملت بها كمراسل صحفي من ولاية غرداية و كانت إدارة الصحيفة قد طلبت مني كتابة مقالات  و حوارات تعريفا بعلماء المنطقة والمناطق المجاورة ، فبدأت بالشيخ عمر الساسي القراري  رحمه الله خريج الزيتونة  وعنْونتُ المقال بـ: الشيخ عمر يطير بجناحين و كان للشيخ علي العلمي جغاب رحمه الله  قصب السبق في إمدادي بمعلومات رصينة و صادقة حول الرجل في بيته، ثم حوارا مطولا مع الشيخ عدون (الاباضي)رحمه الله رئيس مجلس بابا عمي الاباضي، و الذي استضافني في بيته و كان الحوار مُسجلا بالصوت والصورة  وقد نشرته الجريدة في صفحتين كاملتين، ثم أردت التعريج على مدينة العلم والعلماء الأغواط لأحاور شيخنا إبراهيم قهيري في مسيرته التربوية لكن تواضعه وإنكاره للذَّات حالا دون ذلك رغم إلحاحي عليه مرتين.

أعلم أنني مهما تكلمت عن أستاذنا وشيخنا إبراهيم  قهيري  فإنني لن أوفيَه حقَّه من التنويه و التكريم والاعتراف وبالفضل والتبجيل، لأن مناقبه تعجز أن تحصيها ذاكرتي أو أن توفيها لغتي أو  يُدبجها يراعي.

استسمح الشيخ الفاضل في ذلك كله ,وأسأله أن يعفو عن زلات قلمي  و تعثر عبارتي وقصورها في أداء حق واجب أوجبه تعالى علينا عندما قال: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(البقرة 237).

وأصارحكم أن إعجابي وانبهاري في صغري بشخصية أستاذنا جعلاني أكتب عنه قصةسنة 1971أصف فيها حركاته  و عبارته وكلامه وتقريعاته  لكن للأسف لم استطع الاحتفاظ بها إذ لم أكن أجيد التوثيق فضاع الأصل وبقي في الذاكرة منه النّزر القليل ذكرت بعضا منه في هذه المقالة المتواضعة..

 حفظ الله الشيخ  و بارك في عمره و هو بحمد الله يلقي أسبوعيا(كل جمعة) درسا فقهيا (سؤال – جواب) بمسجد سيدنا عثمان بالأغواط -بطريقة تربوية يعالج فيه أدواء الأمة و آلامها و حاجاتها الاجتماعية و الدينية و السلوكية...يختمه دوما بدعاء جميل حسن لطيف .

كتبه الفقير إلى الله تعالى:

 جمال بن السايح (أبو أنفال)

مدير ثانوية محمد بوسبسي- الأغواط-            

الأغواط في يوم الاثنين: 27رجب1435/ ‏26‏-05‏-2014

Share:

نجوم



Al_Ihtiram
Image جمال

اليومية

Imagedjamal
Image and video hosting by TinyPic

يمكنك تغيير البلد و المدينة مباشرة بتحريك المصعد



Image and video hosting by TinyPic الأغواط

مدينة الأغواط

الساعة و التاريخ بالجزائر

مرحبا

مرحبا

وصف المدونة

مدونة تهتم بالفكر التربوي، بالإبداع التربوي و الإداري ، بالشخصيات التربوية، بأسرار التفوق ، و النجاح، ، بالفيديو التربوي، و بالصورة التربوية.

جديد/مدونة الدعاء الجميل إضغط على الصورة

الدعاء الجميل
تحويل التاريخ الميلادي إلى الهجري و العكس

مدونة كتب تهمك

الدعاء الجميل

مكتبة الدكتور الصلابي/اضغط على الصورة

أحدث المواضيع

الاكثر قراءة