Image djamal_hikma1
BASMALA

الأستاذ المبدع الفنان


الأستاذ الفاضل العيد الصيقع المعلم و الفنان.


01-الأستاذ العيد الصيقع                          02-كاتب المقال جمال بن السايح(09سنوات)

من اجل نعم الله تعالى عليك أن يجمع لك و فيك الحسنيين: الحس الفني و الحس التربوي المنبثقين عن شفافية الروح الايمانية الدينية، و انت لا زلت تدب على ارضه ..تذكرت هذا الأمر و قد شرفني الله تعالى اليوم20شعبان1438هـ الموافق لـ/17/05/ 2017 ، بان رتب الله لي لقاء جميلا مع أحد اساتذتي الكرام ( الذي درست عنده في ستينيات القرن الماضي بمدرسة مبارك الميلي  العريقة -بالأغواط) وجدته منهمكا في معرضه يداعب الوانه و فرشاته التي تتحرك على لوحته الرائعة بخفة و  رشاقة ونشاط، إنه استاذنا الفاضل( سي العيد الصيقع) حفظه الله و بارك في عمره ..
استاذنا العيد الصيقع  وهبه الله حسا فنيا رفيعا  و ذوقا جماليا رائعا في فن الرسم و منذ زمن بعيد  ،لا زلت أذكر أنه طلب مني يوما أن اقف امامه بعد نهاية الحصة الدراسية سنة 1968 ثم أخذ قلم رصاص و ورقة رسم،  ثم شرع في رسم ملامح وجهي الصغير، و كم كنت فرحتي كبيرة عندما وجدت ان الصورة التي رسمها لي كانت تشبهني كثيرا و قد احتفظت بالورقة لسنوات عديدة ،لكن للأسف ضاعت مني لست اعرف كيف و لماذا؟.....
فضلا عن موهبته الفنية فإن الأستاذ العيد  آتاه  الله  ذكاء شديدا جعله يجيد فن التعامل مع التلاميذ بطريقته المميزة في التدريس ،يركز على البعض منهم و كأنه يستشف الحجب بانهم سيصيروا يوما  نجباء لهم مكانة مميزة في العلم و المجتمع  و منهم من تبوأ مسؤوليات كبيرة  يخدمون من خلالها بلدتهم الأغواط  و وطنهم الجزائر إلى يوم الناس هذا..
استاذنا سي "العيد الصيقع"  شخصية قوية الحضور و معروف كمعلم ناجح لمادة اللغة الفرنسية منذ فجر الاستقلال و يشتهر في الوسط الاجتماعي و الفني الأغواطي كفنان بفرشاته الرشيقة الراقية في فن الرسم و لوحاتُه غنية عن التعريف  تظهر لك بصمته الخاصة و المميزة ،خدم  العلم و التعليم لسنين طويلة  كمعلم لمادة الفرنسية في جميع المستويات ، و اليوم و بعد سنوات التقاعد لا يزال يخدم  الفن و الذوق و الحس الجمالي و الديني عبر لوحاته  المعبرة الجميلة ذات الموضوعات المتنوعة  التي كان و لا يزال يرسمها و تدبجها فرشاته بطابع اصيل  و محلي يحاكي بها ريشة و فرشاة  الفنان العالمي  الفرنسي المسلم الكبير  "ناصر الدين ديني (Etienne Dinet)....
استاذنا سي العيد الصيقع تعرفت عليه كأستاذ لنا   في مادة اللغة الفرنسية سنة 1968 بمدرسة مبارك الميلي بالأغواط العريقة ، و كنت يومها بالسنة الرابعة ابتدائي(Cours élémentaire 2e année/CE2)..كما انه درسني بعد ذلك بالسنة السادسة ابتدائي((Cours Moyenne 2e année/CM2 ) سنة 1970...
 كان لأستاذنا طرقا مميزة في التدريس  بل و مختلفة حيث كان يجددها حسب المرحلة ، ففي كل مرحلة استخدم لها وسائلها و طرقها المتجددة ..
لأبدا معكم  مع المرحلة الأولى السنة الدراسية :1968/1969 .كنت صغيرا في التاسعة من عمري ..كان وقتها التعليم يتميز بالشدة و الحزم و  من لا يحفظ دروسه  ينال عقوبته ضربا بالعصا و كانت حصة استاذنا من الحصص التي تتميز بالهدوء التام حيث لا يمكن لك عنده ان تسمع همسا فما بالك برفع الصوت و كان معلمنا شديد الحرص على إيصال المعلومة بالحوار و السؤال المستمر و استفزاز التلاميذ الجامدين، و ما ميز تلك الفترة انه كان يحفظ اسماء التلاميذ واحدا واحدا فيناديهم بأسمائهم.....سي الصيقع  كنا نناديه(مُوسيو صيقع) ، قلت كان مربيا دقيقا ماهرا  في  صنع اهداف التعليم لا يداني هذه المهارة إلا مهارته في معرفة أغوار نفسية  التلاميذ  و الذين كان يركز عليهم و يولهم اهتماما خاصا، بل و لا يتسامح معهم إذا اخطؤوا  و هذه ميزة تحسب له و التي تنم على ذكاء حاد و معرفة كبيرة بأساليب التربية و لأدلل على كلامي اروي لكم حادثة واحدة لا تزال عالقة بذاكرتي:  و هي قصة جدول الضرب الذي شبعت عنه ضربا..
طلب منا يوما حفظ جدول  الضرب( Table de multiplication) باللغة الفرنسية ، و بدأ معنا بالتدريج فقال : يوم الثلاثاء القادم أختبركُم في حفظ الجداول الأولى (1،و 2،و 3،4)..و جاء اليوم الموعود و كان ان بدأ المناداة فكان من نصيبي ان أكون اول من يختبره ، كنت قد حفظت الجداول الثلاثة فقط(1،2،3) إذ قلت في نفسي هذا يكفيني رغم قدرتي الكبيرة على الحفظ و كان حظي في هذه المرة عاثرا فقد بدأ بي فانطلقت كالسهم اردد الجداول الثلاثة و انا انتظر منه ان يقول لي توقف لكنه اصر علي ان اردد الجدول الرابع و هنا كانت الطامة الكبرى فلم اتوقع ان يختبرني فيه، طبعا فما كان من الأستاذ  إلا ان قام من كرسيه وشرع في معاقبتي يومها عقوبة جعلتني اتعلم درسا قويا في حياتي لم انسه إلى اليوم ، وطبعا لم اكن وحدي يومها الذي أخذ نصيبه من العقاب، فقد نال العقاب كل الثلة المميزة و الذين كانوا في طليعة من بدا بهم قبل غيرهم ، و الظاهر اننا يومها(كنا  كنا في الهم شرق ..) ، و انتهت الحصة يومها نهاية كئيبة...طلب منا  بعهدها ان نحفظ في المرة القادمة ابتداء من الجدول 1 إلى الجدول6.....و القصة لم تنته عند هذا الحد فقد جاء الثلاثاء الموعود و طبعا كنت اول من ناداه لكن هذه المرة كنت في اتم الجاهزية و طلب مني ترديد الجدول الثاني ثم  الثالث ثم الرابع  و سكت لكنني أكملت عليه الجداول 6 و 7 و 8 و لما هممت في الولوج إلى  الجدول التاسع(09)، استوقفني قائلا توقف (ça suffit) و هو يطري عليَّ بالمديح و جازاني حفظه الله  يومها بمجموعة من الأدوات المدرسية مكونة من مسطرة خشبية و مدور و ممحاة  و ريشة دفعة واحدة ...و كم كانت فرحتي كبيرة و ذهبت إلى البيت مفاخرا إخوتي.
و من يومها توالت علي الهدايا في كل درس يختبرني فيه، و تعلمت شيئا جديدا ان من احسَن أُحسِنَ إليه و من اساء عوقب بشدة. و لم اعاقب من قبله بعد هذه الحادثة  مطلقا طوال حياتي الدراسية و الحمد الله ..و الحق اقول أنها كانت بمثابة  لي الانطلاقة الحقيقية لي كتلميذ حقيقي و تحسنت نتائجي و بفضلها صرت دوما من الأوائل(أو على الأقل في العشرة الأُوَل) و الحمد الله طوال دراستي ...
في المرحلة الثانية في  السنة  الدراسية 1970/1971 اي في السنة السادسة كنا قد كبرنا قليلا و بلغ سني الحادية عشرة (11سنة)، نضجت الخبرة و تغيرت طبعا المعاملة حيث خفت الشدة قليلا و صرنا نشافه أساتذتنا باللغة الفرنسية بل و نتقن الحديث بها  و الكتابة بها بل كنا نقرأ من الكتاب بدون اخطاء و ما كان يجذبني كثيرا في حصة استاذنا العيد  الصيقع  في هذه المرحلة بالذات أنه غَيَّر في بيداغوجية التعليم و غَيَّر في وسائل التعليم و انا اشهد انه كان يبذل معنا جهودا كبيرة من اجل ان نتعلم بطريقة صحيحة و الحق يقال أن قواعد اللغة الفرنسية اعقد بكثير من اللغة الانجليزية و حتى في  نكهة النطق  تختلفان ،.
قلت في السنة السادسة كان يجلب معه مُسجلة للصوت(مانيتوفون magnétophone) حيث كان يسجل عليها النص مسبقا  بصوته اي  قبل الحصة ، و اثناءها يبدأ الدرس بتشغيل الجهاز فنسمع صوت المعلم  و هو يقرأ النص الفرنسي و نحن نتابع على كتبنا سيرورة القراءة ، و كم كنا نحب الحصة و نحب أن نسمع النص يقرأ على مسامعنا بهذه الطريقة  الجديدة و الحديثة في ذلك الوقت، و لعل هذا الاسلوب يقترب كثيرا إلى ما نسميه اليوم ببيداغوجية المقاربة بالكفاءات...
 و مما كان يجذبنا إلى الحصة و ننتظرها بفارغ الصبر(تشغيل مسجلة  الصوت) و التي ينبعث من خلالها صوت المعلم أكثر دفئا و أكثر سحرية  فكانت من امتع اللحظات و كنا نتمنى ان لا ينقطع صوت المسجلة و إرسالها المباشر..
 تبدا الحصة بعد ذلك بان يأمرنا بإعادة القراءة فرادي واحدا تلو الآخر و بصورة صحيحة  و في حالة الخطأ يطالبنا بإعادة الجملة من جديد ثم تبدا المناقشة و شرح الكلمات و استخراج الأفكار الثانوية و العامة يتخللها بعض القواعد اللغوية ...هذا الاسلوب المتجدد لتلك الفترة ترك اثره في نفسي بل جعلني اتمنى أن أكون يوما معلما و قد وفقني الله تعالى لذلك بعد سنوات قليلة....
من القصص الطريفة التي لا تزال عالقة بذهني ..أنه بعد انتقالي إلى المرحلة المتوسطة بعد نجاحي في امتحان السنة السادسة(sixième) و مع بداية  الدراسة بمتوسطة محمود بن عمر(السنة الدراسية 1971/1972) و مع تغير الطاقم التربوي من جهة و الجو الدراسي من جهة أخرى... قادتني قدماي في يوم ما إلى مسجد الشاذلية بشارع الامام عبد الحميد بن باديس لأداء صلاة العصر و افاجأ بأستاذي سي العيد الصيقع يناديني بعد الصلاة تعالى هنا و لما سلمت عليها سألني عن احوال الدراسة و الجو الدراسي و قد نسيت اسئلته كلها  إلا شيئا واحدا  الذي لم يمحَ إلى اليوم  من ذاكرتي ،انه سألني عن اسماء اساتذتي فبدأتُ اذكرهم له بأسمائهم بدون القاب: يدرسنا في مادة الرياضيات( ناصيف) و استاذ اللغة العربية اسمه (علي)، فجأة تغير وجهُه و كلمني بلهجة حاسمة حازمة : هل ناصيف هذا  و عليا رفقاءك في لعبة الكرات( jeux de billes) ،قالها بالدارجة(ناصيف و علي يلعْبو مْعَاك فلْبَيْ)..و وجَمتُ لحظتها و احتبست الكلمات في حلقي و احسست بالخطأ  الجسيم الذي وقعت فيه، و يعلم الله ان الحادثة  التي قد مر عليها اليوم خمس و اربعون(45 سنة) لا تزال عالقة بذاكرتي ، و مذ ذلك اليوم ما أعدت هذا الخطأ البتة. هكذا كان اساتذتنا يعلموننا توقير المعلم  حتى خارج المدرسة..
هو ذا معلمي و استاذي" سي العيد الصيقع" المعلم و الفنان الرسام المتميز حفظه الله و بارك في عمره...
و هذا غيض من فيض و لا أجزم انني قد احطت بكل جوانب شخصية الأستاذ فهذا صعب المنال و إنما هي شذرات من مراحل و مواقف و ذكريات جميلة لا تنسى، ارجو ان يعذرني استاذي الكريم  فيما قصرت فيه تُجاهه و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل: و مقصدي انني وددت ان لا انسى فضله و جميع من علمني حرفا جزاهم الله عنا كل خير..
قال تعالى { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (سورة البقرة 237).


الفقير إلى رحمة ربه جمال بن السايح

21/شعبان/1438هـالموافق لـ 18/05/2017


Share:

نجوم



Al_Ihtiram
Image جمال

اليومية

Imagedjamal
Image and video hosting by TinyPic

يمكنك تغيير البلد و المدينة مباشرة بتحريك المصعد



Image and video hosting by TinyPic الأغواط

مدينة الأغواط

الساعة و التاريخ بالجزائر

مرحبا

مرحبا

وصف المدونة

مدونة تهتم بالفكر التربوي، بالإبداع التربوي و الإداري ، بالشخصيات التربوية، بأسرار التفوق ، و النجاح، ، بالفيديو التربوي، و بالصورة التربوية.

جديد/مدونة الدعاء الجميل إضغط على الصورة

الدعاء الجميل
تحويل التاريخ الميلادي إلى الهجري و العكس

مدونة كتب تهمك

الدعاء الجميل

مكتبة الدكتور الصلابي/اضغط على الصورة

أحدث المواضيع

الاكثر قراءة