روح الخط العربي
لا ريب في أن من أجمل ما أنتجته حضارة المسلمين فن الخط العربي، هذا الفن الجميل المتنوع شكلا
و مضمونا و المتطور عبر الحقب الزمنية للدولة الاسلامية التي ازدهرت فيها الحضارة
الإسلامية ،فكان الخط العربي عنوانا بارزا لهذ ه الحضارة السامقة ابهرت الكثير من الأمم المتعطشة و
المقدرة للعلم و الفن من أبناء الحضارات
الأخرى ..
فقد افتتن هؤلاء كذلك بهذا الفن الأصيل الذي انبثق من رحم
العقيدة الإسلامية و من تأثير آي الذكر الحكيم في نفوس
الخطاطين المسلمين حيث تشربته نفوسهم و ارواحهم فأثمر فنا راقيا جميلا ، رائعا جرى على أناملهم كأنه دررا سَنيةً
فسحر العالم و لا يزال يبهر كل من اطلع على الآثار الدالة عليه في المساجد و القصور في غرناطة و دمشق و بغداد
وتلمسان و بجاية و القاهرة و إسطنبول..
لقد ولدت هذه
الحضارة السامقة سبعة خطوط أصيلة كانت من أجمل الخطوط و لا تزال ، بدأت بالخط
المسند القرشي ثم الخط الكوفي الأول فالثلث فالنسخ فالأندلسي فالديواني فالنستعليق(الفارسي)
فالديواني الجلي ،فالرقعة ..
فكان الخطاط المسلم إذا أراد ان يكتب
يستلهم الكتابة من آي القرآن الكريم فابدع في البسملة و غيرها ، و ما يتير الاعجاب
ان الخطاط المسلم ، كان يكتب بفهم و وعي و
ذوق، فالخط ليس حروفا صماء لا روح فيها بل يجعل من اللوحة الخطية كائنا حيا شكلا و
مضمونا.
مثال
البسملة:
أنظر إلى هذه
اللوحة الجميلة و الرائعة من البسملة (بسم
الله الرحمن الرحيم)
فقد قسم الخطاط
لوحته الخطية إلى ثلاثة أقسام بخط الثلث الرائع الجميل.
القسم
الأول:
مكون من بسم الله و قد جمعها و ضم حروفها
ضما جميلا مبدعا يقول لنا فيه : (أن كل أمر لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر)كما
جاء في الحديث النبوي، و أننا كموحدين ،نذكر الله و نوحده.
القسم
الثاني:
و يبدأ بكلمة
الرحمن وقد ذُكر اسمه تعالى: (الرحمن) في القرآن 57 مرة أي هو ذو الرحمة الشاملة
لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة.
و لاحظ معي كيف جر الخطاط حرف الحاء تاركا
فراغا واسعا ليدلك على رحمة الله الواسعة:
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }
(سورة الأَعراف 156)
و قوله : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً } (سورة
غافر 7)
كما أن معنى (الرحمن) أشد مبالغة من (الرحيـــم)
القسم
الثالث:
عاد ليجمع الحروف
و الكلمات في شكل جذاب تاركا بينها وحدة عضوية في الشكل و الموضوع فقد جر حرف
الحاء ليدفع الميم لتكون اقرب إلى كلمة الرحيم فالرحيـــــم: هو ذو الرحمة
للمؤمنين يوم القيامة، كما في قوله تعالى:
{ وَكَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } (سورة الأحزاب 43)،
فخص برحمته عباده
المؤمنين فقط و بالتالي تكون أصغر شكلا و مضمونا من كلمة الرحمن.
الخلاصة
:
أنظر كيف كان الخطاط المسلم يجسد معاني
الكلمات في رسمها الجميل (أشكالا و حدودا) دون أن يطغى المعنى على الفن الجمالي في
توازن يجعل من الخط رشيقا جذابا يحمل في طياته معاني التربية المنبثقة من روح
الإسلام بعقيدته و شريعته و عباداته و معاملاته.
جمال بن السايح أبو أنفال